25 نوفمبر, 2020
مفهوم الجندر وآثاره على المجتمعات الإسلامية “دراسة نقدية تحليلية في ضوء الثقافة الإسلامية” هو أحد إصدارات مركز باحثات لدراسات المرأة في عام1437هـ، للباحثة أمل الرحيلي، تمثلت الدراسة في إيضاح مفهوم الجندر، ومعرفة المفاهيم والمصطلحات المرتبطة به، وبيان وسائل انتقاله إلى المجتمعات الإسلامية والآثار الناتجة عنه، ومن ثَّم الوقوف على المواقف الرافضة للمفهوم، وإيضاح سبل مواجهة آثار ذلك المفهوم.
بدأت الدراسة بنبذة عن حقوق المرأة في المواثيق الدولية، واشتملت على: مصطلح المواثيق الدولية، وذكرت أهم الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية بشأن حقوق المرأة:
1. اتفاقية حقوق المرأة السياسية عام 1952م.
2. المعاهدة الخاصة بجنسية المرأة المتزوجة عام 1957م.
3. اتفاقية الرضا بالزواج، والحد الأدنى لسن الزواج، وتسجيل عقود الزواج عام 1962م و 1965م.
4. إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة عام 1967م.
5. اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1979م والمعروفة بـ (سيداو/CEDAW).
كما تناولت عددًا من المؤتمرات الدولية المعنية بالمرأة، على النحو التالي:
أولًا: المؤتمرات الخاصة بالمرأة.
المؤتمر الأول: (مؤتمر مكسيكو لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة، والتنمية، والسلم).
المؤتمر الثاني: (المؤتمر العالمي لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة، والتنمية، والسلم).
المؤتمر الثالث: (المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة، والتنمية، والسلم).
المؤتمر الرابع: (المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة).
ثانيًا: المؤتمرات الخاصة بقضايا مختلفة ولها صلة بالمرأة:
أ . مؤتمرات السكان.
ب. مؤتمرات التنمية.
ج. مؤتمرات حقوق الإنسان.
ثم تناولت المؤلفة أحد المفاهيم التي طُرحت في الوثائق والاتفاقيات والمؤتمرات الدولية بشأن حقوق المرأة، وهو مفهوم الجندر؛ مبينةً تعريفَه، والمفاهيمَ الأساسيةَ، والمصطلحاتِ ذات الصلة بالمفهوم مع نقدها، ومن ثمَّ بيان الظروف التاريخية التي ظهر فيها هذا المفهوم.
فذكرت أن المصطلحات الوعاءَ التعبيري الذي تُطرح من خلاله الفكرةُ؛ بما تحمله من مدلولاتٍ ومضامينَ لغويةٍ وثقافيةٍ وحضارية، فإذا اضطرب ضبطُ الوعاء أو اختلفت مدلولاتُه التعبيرية اختل البناءُ الفكري ذاتُه، واهتزت قيمتُه في الأذهان، وخفيت حقائقُه، وربما عظُمت مضرتُه بانعكاساته في ثقافات الأمم وحياة الشعوب. والأممُ الراقية لا تقبل مصطلحاتِ ومسمياتِ الآخرين دون تحليلٍ وتمحيصٍ أو تأصيل(1)، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ”(2).
ونظرًا لما يحمله مفهوم الجندر من أفكارٍ بعيدةٍ كل البعد عن الثقافة الإسلامية؛ فقد تطلَّب الأمرُ من المؤلفة بيانَ تعريف الجندر، والمفاهيم الأساسيّة للجندر، والمصطلحات ذات الصلة بالجندر، فتناولتها على النحو التالي:
الجندر في اللغة الإنجليزية:
أصل كلمة جندر مشتق من الأصل اللاتيني من اللفظ (genus)(3)، وتعني في الإطار اللغوي القاموسي الجنسَ من حيثُ التَّذْكير والتَّأنيث(4)، وقد مرّت هذه الكلمةُ في لغتها الأم بعدة مراحلَ على النحو التالي:
1- استخدمت كلمة(gender) منذ القرن الرابع عشر بمعنى الجنس؛ للإشارة إلى حالة كونه ذكرًا أو أنثى(5).
2- وفي عام 1900م اُعتبر هذا الاستعمالُ هزليًّا لا يُعمل به إلا نادرًا (6).
3- وفي عام 1926م اُقترح أن تقتصر الكلمةُ على المعنى النحوي، وذلك للإشارة إلى إسناد الأسماء إلى فئات المذكر والمؤنث(7).
4- وفي منتصف القرن العشرين استخدمت للإشارة إلى الحالة الاجتماعية القائمة على التنشئة والتلقين بأنَّ هذا ذكرٌ وتلك أنثى، بينما الجنسُ يشير إلى الاختلافات البيولوجية(8).
5- وفي النصف الأخير من القرن العشرين اُستخدمت بديلًا عن الجنس وعن التوجه الجنسي وهوية النوع إلا في بعض المواضع مثل: الاتصال الجنسي، والجنس المأمون، وجنس العامل، والجنس الرقيق(9).
ومما سبق بيانه يمكن إيجاز القول في الآتي:
– أنَّ الاشتراكَ القائم بين اللغتين في كلمة ((جِنْدِر)) إنما هو اشتراكٌ في اللفظ فقط.
– إنها استعملت في اللغة العربية في إطار التقويم والتهذيب، وتسوية المعوج… إلخ.
– أنها استعملت في اللغة الأم -الإنجليزية- بعدة معان؛ منها الجنس من حيثُ التَّذْكيرُ والتَّأنيث، والتوجه الجنسي.
التعريف الاصطلاحي للجندر:
أثار مفهوم ((الجندر)) كثيرًا من الجدل عند ظهوره؛ وذلك بسبب ما أُحيط به من الغموض واللبس، وأدى ذلك إلى تعدد وتنوع التعريفات حوله على النحو الآتي:
1- عرّفت الموسوعةُ البريطانية الهويةَ الجندرية (Gender Identity) بأنَّها: “شعورُ الإنسانِ بنفسه كذكرٍ أو أنثى، وفي الأعم الأغلب فإنَّ الهويةَ الجندرية والخصائص العضوية تكون على اتفاقٍ، أو تكون واحدةً، ولكن هناك حالاتٌ لا يرتبط فيها شعورُ الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافقٌ بين الصفات العضوية وهويته الجندرية، أي: شعورَه الشخصيَّ بالذكورة والأنوثة”(10).
وتُواصلُ التعريفَ بقولها: “فإنَّ الهويةَ الجندرية ليست ثابتةً بالولادة -ذكر أو أنثى-؛ بل تؤثر فيها العواملُ النفسية والاجتماعية بتشكيلِ نواةِ الهويةِ الجندرية، وهي تتغيرُ وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كلما نما الطفل”(11).
2- وذكرت منظمةُ الصحة العالمية تعريفًا أوضحَ؛ فقالت بأنَّه: “المصطلحُ الذي يفيد استعماله وصفَ الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفاتٍ مركبةٍ اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية”(12).
3- وجاء في تعريف صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة بأنَّه: “الأدوارُ المحددةُ اجتماعيًّا لكلٍّ من الذكر والأنثى، وهذه الأدوارُ التي تُكتسب بالتعليم تتغير بمرور الزمن، وتتباين تباينًا شاسعًا داخل الثقافة الواحدة، ومن ثقافةٍ إلى أخرى”(13).
4- وعرّفه مركز المرأة للتدريب والبحوث “كوثر” على أنَّه: “اختلاف الأدوار (الحقوق والواجبات والالتزامات)، والعلاقات والمسؤوليات والصور، ومكانة المرأة والرجل، والتي يتم تحديدُها اجتماعيًّا وثقافيًّا عبر التطور التاريخي لمجتمعٍ ما، وكلُّها قابلةٌ للتغيير”(14).
5- بينما تُعرّفه الجمعياتُ النسوية المتبنية له بأنَّه:“الفروقاتُ بين الجنسين على أسسٍ ثقافيةٍ واجتماعية، وليس على أساسٍ بيولوجيٍّ فسيولوجي(15)“(16).
6- وتُرجم المفهومُ في مؤتمر القاهرة للسكان عام 1994م، بأنَّه:“نوع الجنس”(17) من حيث الذكورةُ والأنوثة.
7- وفي وثائقِ مؤتمر روما عام 1998م عُرّف الجندر بأنَّه: “الذكر والأنثى في نطاق المجتمع”(18).
8- بينما أقرّت لجنة التعريف في المؤتمر الرابع المعني بالمرأة المنعقد في بكين عام 1995م، بعدم تعريفه(19)The non definition of the term Gender.
ومن الملاحظ على هذه التعريفات أنها عملت على وحدة النوع البشري بطمسِ معالم الذكورة والأنوثة، ومسخ الكائن البشري عن طريق إلغاءِ كافة الفروقِ البيولوجيةِ بين الرجل والمرأة، وتغيير الأدوار بين الجنسين، فما يسند للرجل من أدوار يكون بمثلها للمرأة باعتبارهما نوعًا واحدًا، بحيث يمكن زواج الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، وعلى هذا فإنَ ّهذه الرؤيةَ تخالف الشريعة الإسلامية، بدليل أنه لو لم يكن هناك فرقٌ بينهما لما ذكر اللهُ عز وجل كلَّ نوعٍ باسمه في مواضعَ كثيرةٍ، قال الله تعالى: “وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ”(20)، وقوله تعالى: “وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ”(21)، وقوله تعالى:” وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى* إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى”(22)، كما حفلت السنةُ النبويَّة بالأحاديث التي تنهى عن تشبُّه الرجالِ بالنساء، والنساءِ بالرجال؛ ومنها عن عكرمة رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنه قال:«لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ»(23). فإذا كان التشبهُ محرمًا فمن باب أولى أنْ يكونَ جعلُهم جنسًا واحدًا متماثلين في الصفات اعتراضًا على سنة الله في هذا الكون، قال تعالى: “وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”(24).
المفاهيم الأساسيَّة للجندر:
1/الفلسفة الجندرية:
ترى هذه الفلسفة أنَّ جميعَ التقسيماتِ والأدوار والفروقِ المتعلقةِ بالرجل والمرأة؛ بما فيها التصورات والأفكار الناشئة عن نظرة كلٍّ منهما لنفسه وللجنس الآخر؛ كلَّ ذلك من صنع المجتمع وثقافته! أي أنَّ ذلك مصطنعٌ ويمكن تغييره، بحيث يمكن للمرأة أنْ تقوم بأدوار الرجل؛ ويمكن للرجل أنْ يقومَ بأدوار المرأة، حيث إنَّ هذه الفكرةَ صبغها المجتمعُ في الطفل منذ صغره(25). وهذا ما أكدته إحدى المدربات في قضايا الجندر بقولها: “إنَّ الناسَ يولدون ذكورًا وإناثًا، ولكنهم يتعلمون كيف يكونون بناتًا وأولادًا، ثم كيف يصبحون نساءً ورجالًا، إنهم يتعلمون ما هي السلوكيات والاتجاهات والأدوار والنشاطات المناسبة لهم، وكيف يتصلون بالآخرين(26)، ومعنى ذلك “أنَّ الرجلَ ليس رجلًا لأنه خُلق كذلك، وأنَّ المرأةَ ليست امرأةً لأنها خُلقت كذلك؛ بل التنشئةُ الاجتماعية(27)هي التي تجعل ذلك رجلًا، وتلك امرأةً”(28).
بل وتتمادى هذه الفلسفةُ إلى الزعم بأنَّ الذكورةَ والأنوثة هي ما يشعر به الذكر والأنثى، وما يريده كلٌّ منهما لنفسه، ولو كان ذلك يتناقض مع واقعه البيولوجي، أي أنَّ من حقِّ الذكرِ إذا شعر أنَّه أنثى أنْ يُعامل معاملة الأنثى؛ بما في ذلك الزواجُ من ذكرٍ آخر، ومن حق الأنثى أنْ تتصرفَ كذلك، وهي بذلك تتنكَّرُ لتأثير الفروقِ البيولوجيةِ الفطريّة في تحديد أدوارِ وسلوكِ كلٍّ من الذكر والأنثى(29).
وهذا فيه اعتراض على فطرة الله في الخلق؛ لأنَّ قيامَ هذه الفلسفة على التماهي المطلق بين الأدوار بدعوى التنشئة الاجتماعية وحدها هي من يقرِّرُ هذا الدورَ للرجل أو ذاك للمرأة، وتجاهَلَ هذا المنطقُ حقائقَ الاختلافاتِ الحيوية والعضوية والنفسية والعصبية والهرمونية، وانعكاساتِها من ثَم على الوظائف والأدوار السلوكية والاجتماعية، لكلٍّ من الرجل والمرأة(30).
2/ الأدوار (31) الجندرية:
يشير هذا المفهوم إلى “الأدوار التي يقوم بها الجنسان حسب ما حدده المجتمعُ لهما، وغالبًا ما ترتبط هذه الأدوار بمجموعةٍ من السلوكيات التي تعبر عن القيم السائدة في هذا المجتمع، ودرجةُ قبولِ المجتمع وتعزيزِه لهما منوطٌ بمدى إجادةِ كلٍّ من الجنسين القيام بالدور المنوط به(32). وهذه الأدوار نظرًا لأنها مصنوعةٌ ثقافيًّا واجتماعيًّا من خلال التنشئة الاجتماعية؛ فهي ليست ثابتةً عبر الزمن ولا بين الثقافات والمجتمعات، وإنما هي ديناميكيةٌ(33) متغيرة(34)، مُقسمةٌ إلى ثلاث فئاتٍ رئيسةٍ(35)هي التالي:
الدور الإنتاجي:
يشمل إنتاجَ السلع والخدمات للاستهلاك والتجارة، حيث يمكن في هذا الدور للنساء والرجال معًا أن ينخرطوا فيها، لكن سوف تختلف وظائفُهم ومسئولياتهم تبعًا للتقسيم الجندري(36)للعمل، وفي العادة عملُ النساء الإنتاجي أقلُّ وضوحًا وأقلُّ قيمة من عمل الرجال.
الدور الإنجابي:
يشمل رعاية الأسرة والحفاظ عليها، بما في ذلك إنجاب ورعاية الأطفال، والاهتمام بالأعمال المنزلية، ويحظى هذا الدور بأهميةٍ لبقاء النوع البشري، ومع ذلك لا يُعتبر عملًا حقيقيًّا، وتنحصر مسئوليتُه بصورةٍ كاملة في النساء والفتيات.
الدور المجتمعي:
يشملُ التنظيمَ الاجتماعيَّ للخدمات والمناسبات، فهو عملٌ ضروري لتنمية المجتمع، حيث ينخرط فيه كلٌّ من الرجال والنساء، ولكنْ تظهرُ هيمنةُ التقسيم الجندري في بروز دور الرجل أكثر، بينما يكون عملُ النساء أقلَّ وضوحًا، ويصنَّفُ أنه أقلُّ قيمة من عمل الرجال، مع أنَّ مسئوليةَ العمل الإنجابي والإنتاجي تقع على عاتق النساء، فهذه الأعباءُ تحرمهن المشاركةَ في المشاريع الإنمائية، وحين يشاركن فإنَّ الوقتَ الذي يُستهلكُ سوف يكون على حساب العمل في المهام الأخرى مثل: رعاية الأطفال، وتحضير الطعام.
ولذا فإنَّ مفهومَ الجندر يرتكز في تعديل وتغيير هذه الأدوار على عوامل رئيسية منها(37):
• معرفةُ وتحليل أسباب الاختلاف بين النوعين.
• تحديدُ أسباب وأشكال عدم التوازن بين النوعين، ومحاولةُ إيجادِ طرقٍ لمعالجة هذا الاختلاف.
• تعديلُ وتطوير العلاقة بين النوعين حتى يتم توفيرُ العدل والمساواة بين النوعين، ليس فقط بين الرجل والمرأة ولكن بين أفراد المجتمع جميعًا.
وفي هذا الأمر يمكن القولُ بأنَّ توزيعَ الأدوار في الشريعة الإسلامية يقوم على تكاملها وليس تماثلها، وهي بذلك ترفض أنْ تؤسِّسَ العلاقةَ بين الرجال والنساء على أساسِ مفهومِ الصراع، إنما تؤسِّسُها على مبدأ الترابط والتراحم والمودة والتوافق العقائدي؛ لتحقيق معنى الاستخلاف في الأرض، كما أنها ترفضُ النظراتِ العنصرية في تحديد دور المرأة ودور الرجل، بحيث تصبح المقابلة بين الرجال والنساء هكذا بإطلاق؛ وإنما تخاطب كليهما حسب وظيفتِه الفطرية، ودورِه من خلال المؤسسةِ الاجتماعية الأولى وهي الأسرة، فهي تخاطب المرأةَ الأمَّ، والزوجةَ، والابنةَ، والعمة والخالة، كما تخاطب الرجلَ الزوجَ، والأبَ، والابن، والوليَّ، والعم(38)، وذلك كما ورد عن عبد الله بن عمر، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ، وَهْيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ هْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ رَسُولِ اللهِصلى الله عليه وسلم وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ(39).
وبذلك تكون الثقافةُ الإسلامية قد طرحت مفاهيمَ مغايرةً لتلك الأدوار الجندرية قائمةً على التكاملِ والتعاونِ والإنصاف والمودة والرحمة بين الجنسين.
3/الجنس والجندر:
نظرًا لحداثة مفهوم الجندر؛ فقد خلطت الأغلبيةُ بينه وبين مفهوم الجنس(40)، لذا يمكن أن نعرفهما -حسب قول أنصار الجندر- على النحو الآتي:
الجنس ((Sex)): يتمثل في “الفروق البيولوجية الطبيعية ما بين الذكر والأنثى، وهي فروقٌ تولد مع الإنسان، ولا يمكن تغييرُها، ووجِدت من أجل أداء وظيفةٍ معينة(41).
أي أنه يرتبط بالصفات البيولوجية التي تميز الرجلَ عن المرأة، والتي لا تتغير بتغير الثقافات أو تغير الزمان والمكان(42)، والتي تكمن في أنَّ لكلٍّ منهما أجسادًا وهرموناتٍ وكروموسات مختلفة(43).
الجندر ((Gender)): يتمثل في “الأدوار الاجتماعية التي يصنفها المجتمع بناءً على الدور البيولوجي لكلٍّ من الجنسين، ويتوقع منهما أن يتصرفا بناءً عليها، وتتكرسُ بناءً على منظومةٍ من القيم والعادات الاجتماعية، وتصبح بعد مرور فترة من الوقت أمرًا واقعًا، أي: أنَّ هذه الأدوار من صنع الإنسان(44).
ويعني ذلك أنَّ مفهومَ الجندر يحيل إلى ما هو ثقافي، أي أن هناك معنًى يعطيه المجتمعُ للذكر والأنثى، فكل ما يفعله الرجال والنساء وكيفياتُ وجودهم وتفكيرهم وسلوكهم هي من صياغة المجتمع وثقافته، ومن ثم فهي قابلةٌ للتغيير بحسب الظروف التاريخية لذلك المجتمع(45).
وبعد العرض المجمل لمفهوم الجندر كما تناولته المؤلفة، نشير بأنها أيضاً تطرقت لنشأة مفهوم الجندر، من المرجعية الثقافية، والنسوية، والتشريعية، إلى وسائل انتقاله، كما وضحت آثاره على المجتمعات الإسلامية، والآثار الاجتماعية، والآثار الأخلاقية، كما بينت كذلك الأثر الاقتصادي، وانهت المؤلفة دراستها بموقف الثقافة الإسلامية، وفي ختام هذا العرض المجمل والسريع ندعوكم لقراءة الكتاب كاملاً؛ لتحصيل كامل المعلومات والفائدة منه.
مركز باحثات لدراسات المرأة
(1)انظر: الكيلاني، عبد الرحمن؛ وأبو يحيى، محمد؛ وشهوان، راشد؛ وأحمد، العوايشة؛ و غيظان، يوسف، الثقافة الإسلامية ثقافة المسلم وتحديات العصر، ط1، عمّان: دار المناهج للنشر والتوزيع،1421هـ-2001م، ص14.
(2) سورة البقرة، آية رقم 104.
(3) Mcarthur, Tom ,The Oxford Companion to the English Language, ( New york: Oxford University Press, 1992, p.430
(4) Doniach, N.S, The Oxford English -Arabic Dictionary Of Current Usage, ( New York: Oxford University Press, 1972), p.489
(5) انظر: مادة “جندر”، استرجعت بتاريخ 6/2/2013م من موقع أكسفورد.
(6) انظر: قاموس أكسفورد الإنجليزي، الطبعة الأولى 1989م، استرجعت بتاريخ 17/2/2013م نقلاً عن: موقع ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(7) Fowler, H.w, A Dictionary of Modern English Usage,. (great Britain: wordsworth Editions Ltd 1994), p.211
(8) انظر: مادة “جندر”، مرجع سابق، موقع أكسفورد.
(9) Australian Human Rights, Addressing sexual orientation and sex and/or gender identity discrimination, (Sydney: Mascot Printing,1968), p.5 .
(10) اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، مرجع سابق، ص 106-107؛ ومادة “جندر”، استرجعت بتاريخ 15/4/2013م من موقع الموسوعة البريطانية.
(11) مرجع سابق.
(12) المرجع السابق، ص107؛ ومادة “جندر“، استرجعت بتاريخ 20/5/2013م من موقع منظمة الصحة العالمية: http://www.who.int/topics/gender/en.
(13) صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، مسرد مفاهيم ومصطلحات النوع الاجتماعي، ط4، (عمّان: المكتب الإقليمي للدول العربية، 2001م)، ص4.
(14) صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، مفهوم النوع الاجتماعي، الوحدة الأولى، ط4، (عمّان: المكتب الإقليمي للدول العربية، 2001م)، ص ص5-6.
(15) الفسيولوجيا: هو العلمُ الذي يدرس وظائف أعضاء الأجسام الحية، ويسمى علم وظائف الأعضاء. انظر: مجمع اللغة العربية، المعجم الفلسفي، مرجع سابق، ص135.
(16) أبو بكر؛ وشكري، المرأة والجندر، مرجع سابق، ص103.
(17) أبو بكر؛ وشكري، المرأة والجندر، مرجع سابق، ص103.
(18) الأمم المتحدة، نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 15- 17 تموز/يوليه 1998م، (نيويورك: منشورات موقع الأمم المتحدة، 1998م)، ص8.
(19) الكردستاني، مثنى أمين؛ و حلمي، كاميليا، الجندر المنشأ-المدلول- الأثر- المدلول- الأثر، ط2، (عمّان: جمعية العفاف الخيرية، 1428هـ =2008م)، ص50.
(20) سورة آل عمران، الآية: 36.
(21) سورة النجم، الآية: 45.
(22) سورة الليل، الآية: 3-4.
(23) البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، ط1، (دمشق: دار ابن كثير، 1423هـ=2002م)، ح5885، كتاب اللباس، باب المتشبهون بالنساء والمتشبهات بالرجال، ص1485.
(24) سورة الذاريات، الآية: 49.
(25) انظر: جرار، بسام، دراسات في الفكر الإسلامي، ط2، (فلسطين: موقع نون للدراسات والأبحاث القرآنية، 1427هـ= 2006م)، ص321.
(26) انظر: طايع، أنيس أحمد، “أدوار النوع الاجتماعي والقيم المتصلة بها في كتب التعليم الأساسي في الجمهورية اليمنية”، أسيوط، مجلة كلية التربية العلمية، مج21، 2005م، ص115.
(27) التنشئة الاجتماعية: هي “العملية التي يتم من خلالها نقل التراث الثقافي والاجتماعي للفرد، حيث يشب ويكبر متشربًا ثقافة المجتمع، متعودًا على الأخذ بما تقضي به عاداته وتقاليده وسننه العامة”. عثمان، محمد عبد السميع، أسس علم الاجتماع المفاهيم والقضايا، ط1، (القاهرة، د.ت)، ص353.
(28) اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، مرجع سابق، ص46.
(29) انظر: جرار، دراسات في الفكر الإسلامي، مرجع سابق، ص322.
(30) انظر: الدغشي، أحمد محمد، “فلسفة المساواة بين الرجل والمرأة في الاتفاقيات والإعلانات الدولية في ضوء فلسفة التربية الإسلامية”، جامعة الأزهر، مجلة كلية التربية، ج1، ع141، يونيو2009م، ص232.
(31) الدور: هو “الواجب أو المسئولية التي يجب القيام بها، فيقال: هذا دورُك أن تفعلَ كذا أي مسئوليتك وواجبك أن تقوم بهذا العمل”. عفيفي، محمد بن يوسف أحمد، “دور الأسرة في أمن المجتمع”، ورقة عمل مقدمة ضمن أعمال ندوة المجتمع والأمن، الرياض، كلية الملك فهد الأمنية، 21- 24/2/1425هـ، ص201.
(32) أبو غزالة، هيفاء؛ وشكري، شيرين، الكاشف في الجندر والتنمية حقيبة مرجعية، ط4، (عمّان: صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، المكتب الإقليمي للدول العربية، 2006م)، ص23.
(33) ديناميكية: هي مذهبٌ فلسفيٌّ يُطلق على دراسة حالاتِ الشعورِ من جهة اتصافِها بالحركة والتبدل، كما تُطلق على المذاهب الفلسفية التي ترى حقيقة المادة هي الحركة، وأنَّ جوهرَ الأشياء ليست سوى مرحلةً من مراحل التقدم والتطور. انظر: صليبا، جميل، المعجم الفلسفي، د.ط، (بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1982م)، ج1، ص ص574-575.
(34) انظر: حوسو، عصمت محمد، الجندر (الأبعاد الاجتماعية والثقافية)، ط1، (عمّان: دار الشروق للنشر والتوزيع، 2009م، ص226.
(35) انظر: وليامز، سوزان؛ وسيد، جانيت؛ ومواو، أدلينا، دليل أوكسفام للتدريب على الجندر، ترجمة: معين الإمام، ط1، (دمشق: دار المدى للثقافة والنشر، 2000م)، ج1، ص ص297-298.
(36) التقسيم الجندري: هو “تخصيصُ مهماتٍ مختلفةٍ، وأدوارٍ، ومسؤولياتٍ، ونشاطاتٍ للنساء والرجال وفقًا لما يعتبر اجتماعيًّا وثقافيًّا مناسبًا”. أبو غزالة، وشكري، الكاشف في الجندر والتنمية، مرجع سابق، ص68.
(37) انظر: صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، مفهوم النوع الاجتماعي، الوحدة الأولى، مرجع سابق، ص3.
(38) انظر: سلطان، جمال، جهادنا الثقافي مواقف وإشارات، ط1، (برمنجهام_بريطانيا: مركز الدراسات الإسلامية، 1414هـ=1993م)، ص ص28-29.
(39) صحيح البخاري، ح2409، كتاب الاستقراض، باب العبد راعٍ في مال سيده ولا يعمل إلا بإذنه، ص580.
(40) انظر: حوسو، الجندر الأبعاد الاجتماعية والثقافية، مرجع سابق، ص80.
(41) أبو غزالة؛ وشكري، الكاشف في الجندر والتنمية، مرجع سابق، ص11.
(42) انظر: العلواني، رقية طه، “اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة السيداو قراءة تحليلية نقدية في إطار الخصوصية الإسلامية”، ورقة عمل مقدمة ضمن أعمال الملتقى العربي الثالث للتنمية الإنسانية النهوض بالمرأة… رؤية إنسانية، البحرين، جمعية البحرين النسائية، 21-22 نوفمبر 2007م، ص11.
(43) انظر: دليل إدماج النوع الاجتماعي بالجمعيات والمؤسسات الأهلية الشابة، ص17، استرجعت بتاريخ 12/10/2012م من موقع نظرة للدراسات النسوية: http://www.nazra.org/node/21 .
(44) أبو غزالة؛ وشكري، الكاشف في الجندر والتنمية، مرجع سابق، ص11.
(45) الماجري، شاذلية، “المنظمة النقابية وإدماج النوع الاجتماعي دراسة حالة”، تونس، قسم الدراسات النسوية، المعهد العالمي للعلوم الإنسانية، عام2004/2005م، ص19. نقلاً عن: لبيض، سالم، “الجنوسة والنوع (الجندر) في الثقافة العربية”، لبنان، مجلة المستقبل العربي، مج30، ع 348، يناير 2008م، ص49.