القائمة الرئيسية


كيف تواجه مناهج التربية الإسلامية مسألة اضطراب الهوية الجنسية؟

5 نوفمبر, 2023

  • شارك

 

 

 

الباحثة: منيرة بنت خالد بن سنبل

 

 

قبل أن نبدأ في مناقشة الأدوار المناطة بمناهج التربية الإسلامية تجاه اضطراب الهوية الجنسية، يجدر بنا أن نوضّح مفهوم “اضطراب الهوية الجنسية”؛ والذي يطلق عليه ( gender identily disorder ) ويُعرف اختصاراً بـ ( GID ):” وهو اضطراب نفسي يبدأ ظهوره في مرحلة الطفولة المبكرة، قبل البلوغ بمدة طويلة، عبارة عن نفور شديد بشأن جنس الطفل الفعلي، مع رغبته، وإصراره على أنه من الجنس الآخر، أو رغبته الملحة في أن يُصبح من الجنس الآخر، من خلال رفضه التام للتركيب التشريحي لأعضائه التناسلية، وانشغاله بأنشطة الجنس الآخر”.

وتثبت الدراسات أن اضطراب الهوية الجنسية ينشأ في مرحلة الطفولة المبكرة قبل سن الرابعة، فمعظم الأطفال البالغين من العمر سنتين يعرفون حقاً ما إذا كانوا ذكوراً، أو إناثاً، وعندما يصلون إلى سنة الثالثة يبدؤون باستخدام المسمّيات التي تُعبّر عن جنسهم، وفي تلك المرحلة تتكون الخصائص النفسية، والعقلية، والاجتماعية من خلال بعض السلوكيات، والمظاهر التي بتعرض لها الطفل، ثم يتطوّر الاضطراب بشكل ملحوظ في مرحلتي الطفولة المتأخرة، والمراهقة (الشاطر، 2020م).

وقد خَلُص (كارلن،1971م) إلى أن الحقائق تثبت أنّ الجينات، والهرمونات، والغدد الصماء لا تسبب حدوث الشذوذ الجنسي لدى الأشخاص، وأكدت دراسة سكوت (1997م) عدم وجود أية عوامل جينية ذات تأثير على التوجه الجنسي لدى الإناث، أو الذكور نحو الجنس المماثل، كما أشارت إلى أن العوامل البيئية تؤثر في تشكيل التوجه الجنسي، والهوية الجنسية (في الجهني، 2014م)؛ لذا فالفئة الأغلب التي أجريت عليها الدراسات هم الذين لا يعلمون حقاً ما إذا كان لديهم رضاً عن جنس الولادة أم لا، أي أن الأفراد عندما تقمّصوا الأدوار المغايرة لجنسهم، وقاموا بتصنيف أنفسهم ضمنها دخلوا في اضطراب الهوية الجنسية، بفعل عوامل مهيئة، أو مساعدة على ظهور ذلك الاضطراب، ويمكن من خلال النظر في الدراسات السابقة على الحالات أن نُجمل عوامل الاضطراب في ثلاثة أبعاد رئيسة:

 

أولاً- البعد النفسي:

ويتمثل في العوامل النفسية التي خضع لها الطفل، وجعلته يميل عاطفياً لتقمص أدوار الجنس المغاير، ومنها:

 

  • عدم تشكّل الهوية الجنسية لدى الطفل من خلال وعيه بطبيعته البيولوجية الأساسية من أنه ذكر، أو أنثى، وتقبله لهذا الدور نفسياً؛ يمهد لظهور اضطراب جنسي لا سيما إذا لم يصحب ذلك تكوين اتجاهات إيجابية لجنس الطفل من قبل الوالدين، وتجاهل إشباع حاجاته النفسية المتعلقة بتشكيل هويته الجنسية؛ كرغبته في المديح، والإطراء، والتقبل غير المشروط، ورضى والديه عن سلوكه الملائم لجنسه، وبالتالي فإن تعرضه للإساءة الانفعالية من قبل والديه يجعله يتصور إمكانية اختفاء هذا الإيذاء لو كان من الجنس الآخر المحمي من تلك الانفعالات (القحطاني، 2022م).
  • الفئة الغالبة للمضطربين في هويتهم الجنسية تقد تعرضوا في طفولتهم المبكرة إلى نوع من السلوكيات الجنسية؛ كالتحرش الجنسي البدني، أو اللّفظي، أو تعرضوا لمشاهد جنسية واقعية، أو كرتونية، وربما قلّة التبصر من قِبل الوالدين في العلاج النفسي لتلك الصدمة ساهم في بذرة ذلك الاضطراب (حلباوي، ورباحي، 2021م، خطاب، 2021م)، وكذلك الحال لدى المراهقين، والبالغين المتعرّضين للإساءة الجنسية، فقد أشارت دراسة (دويرفلر وآخرون، 2009م) إلى وجود تأثير خطير عليهم منبئ بظهور اضطراب للهوية الجنسية، والذي يؤدي بدوره إلى اعرض القلق والاكتئاب وانخفاض تقدير الذات لدى الشخص (في الشاطر، 2020م).

 

ثانياً- البعد الثقافي:

والمقصود به الثقافة السائدة لدى جنس الذكور، أو الإناث من ناحية الهيئة، والملبس، أو الأنشطة، والهوايات المتعارف على اختصاصها بذلك الجنس:

  • أثبتت دراسة (حلباوي، ورباحي، 2021م) أن نوع اللباس الذي يرتديه الطفل، كذلك الألوان المتعارف على اختصاصها بالجنس الآخر، وطريقة تصفيف الشعر، والأسماء، والألقاب تُعد من الأمور المؤثرة على ثبات، واضطراب الهوية الجنسية، فتقمص الطفلة لدورها الثقافي في لون اللباس المميز للإناث، وطريقته الأنثوية، وما عرفت به الإناث من حب الزينة يؤكد لدى الطفلة هويتها الجنسية، ويجعلها قادرة على استشعارها، وتمثيل الدور الاجتماعي الموافق لها، وقد يعزّز هذا السلوك سواء أكان موافقاً للجنس، أو مغايراً الرضا من قِبل الوالدين؛ فرغبة الوالدين في جنس دون آخر، لا سيما في المجتمعات التي تفضل إنجاب الذكور، أو شعور بعض الأمهات بالنفور من جنس الذكور على إثر تجارب سابقة، تجعلهم يسهمون بشكل مقصود، أو غير مقصود في اضطراب الهوية الجنسية لدى أبنائهم (القحطاني، 2022م).
  • تُثبت دراسة الحالات المصابة أنهم يميلون لألعاب الجنس الآخر في طفولتهم؛ كميل الذكور لألعاب الإناث؛ كالدمى، والزينة، وأدوات التبرج، وتقمص الأدوار المنوطة بالإناث في اللعب الإيهامي “التخيلي”، والعكس كذلك لدى الإناث، وبالتالي نلاحظ مدى انعكاس الألعاب التي تتوفر لدى الطفل على حالته النفسية، وهويته الجنسية؛ لأنها تهيئ الطفل للأدوار المتوقعة منه اجتماعياً، وما يجب أن يكون عليه تصوره النفسي لذاته، كما أنها تلقّنه القيم المرتبطة بهويته الجنسية؛ كالرقة، والأنوثة، والأمومة، أو الصلابة، والخشونة، وغيرها (حلباوي، ورباحي، 2021م).

 

 

ثالثاً- البعد الاجتماعي:

يوجد في كل مجتمع أعراف اجتماعية للرجال والنساء، وهي أعراف تختلف باختلاف الثقافات، وهذا البعد يُناقش أثر تفاعل الطفل مع الأقران، والأصدقاء في ثبات، واضطراب هويته الجنسية، ومدى تمثيليه لأدواره الاجتماعية المتوقّعة منه، ومن تلك العوامل المؤثرة:

  • ما أثبتته دراسة (حلباوي، ورباحي، 2021م) أنّ معظم العينة المدروسة من الذكور المضطربين في هويتهم الجنسية كانوا في طفولتهم يصحبون الإناث في غالب أوقاتهم، وهذا ينتج عنه بحسب الدراسة انتقال، وتبادل للقيم، والأدوار بما فيها الأدوار الجنسية، خصوصاً إذا اقترن ذلك بالعوامل الأخرى المعززة.
  • غياب النموذج الأبوي عند الطفل سواء بالوفاة، أو الانفصال لدى عينة الدراسة كان من العوامل المشتركة للمصابين، وغالباً ما يصحب ذلك غياب للرقابة، والضبط الأسري (حلباوي، ورباحي، 2021م)، كذلك توحد الطفل بالعيش لدى أحد الأبوين من الجنس الآخر؛ الأم، أو الأب، تجعله يتقمص، ويتماهى مع الأدوار الاجتماعية المغايرة لجنسه؛ لغياب النموذج القدوة (القحطاني، 2022م).
  • سوء أو اضطراب التنشئة الاجتماعية: متمثلة في عدم اتساق المعاملة الوالدية؛ كالتمييز مبرراً، أو غير مبرر، أو الرفض، والحب المشروط، والقمع، أو التسلط، كذلك الحماية الخانقة، أو التدليل المفرط، كل ذلك قد يتواطأ مع عوامل أخرى، ويعزز الاضطراب؛ من ناحية كره الجنس المعتدى عليه، وعدم الرغبة في الانتماء إليه بحال، أو قد يتعزز لديه سلوك النهج المخالف لجنسه؛ إن وجدا تشجيعاً من أحد والديه؛ نتيجة التدليل المفرط، وعدم التبصر في العواقب (خطاب، 2021م، الشاطر، 2020م).

 

 

بعض المظاهر التي تنشأ لدى المضطربين جنسياً بعد مرحلة الطفولة:

يعاني المصاب باضطراب الهوية الجنسية من الافتقار للنضج الانفعالي، والاجتماعي، وضعف الأنا، والإحباط، بالإضافة إلى المخاوف اللاشعورية من الواقع الذي يحيط به، وتوقع العقاب، والأذى النفسي، وهذه الانفعالات بدورها تؤدي إلى ظهور بعض الملامح على المصاب باضطراب الهوية الجنسية من أبرزها:

1/ تعاطي المخدرات، والكحول من السلوكيات التي أثبتتها دراسة (الخطاب، 2021م) لدى المضطربين في هويتهم الجنسية، وهي رغبة من المضطرب في الهروب من المخاوف الاضطهادية الداخلية، أو محاولة لتخفيف المعاناة؛ نتيجة الشعور بالعجز المصحوب بعدم القدرة على تحمل الاحباطات الداخلية السلبية، فالكحول والمخدرات تُشعره بالإشباع والتحرر معاً، والتخفيف من شعور الذنب والإثم.

2/ يعاني المضطرب في هويته الجنسية من اكتئاب واضح يتمثل في العزلة، والانسحاب، كما أثبتته بعض الاختبارات على المصابين بالاضطراب، كذلك تتولد لديهم أفكار سلبية تشاؤمية عن الذات، وعن الآخرين والواقع الخارجي، بالإضافة إلى سيطرة الأفكار الانتحارية، وتكرر نوبات الهلع والقلق، ويفسر البعض حصول الاكتئاب؛ نتيجة لانخفاض تقدير الذات لدى المصابين بالاضطراب، وقد يكون هذا المظهر طريقًا للمظهر السابق، وهو تعاطي الكحول، واللجوء لتخدير الذهن (الخطاب، 2021م).

3/ يبرز لدى المصابين بالاضطراب في هويتهم الجنسية جانب الشعور بالاضطهاد، فتنشأ لديه سلسلة منطقية من النتائج من مقدمة خاطئة يؤمن بها المصاب إيماناً مطلقاً لا يمكن تعدليه، فتسيطر عليه الأفكار الاضطهادية، والريبة من نوايا الغير، وأفعالهم بما يتفق مع اعتقاده المرضي (خطاب، 2021م).

4/ بينت دراسة (خطاب، 2021م) إدمان مضطربي الهوية الجنسية على مشاهدة الأفلام الإباحية ذات الطابع المثلي، وهذه كما ذكرنا سابقاً من أسباب الاضطراب التي نشأت لديهم في طفولتهم.

5/ تبيّن أن المصابين باضطراب الهوية الجنسية ينظرون للعالم، والواقع الخارجي بطريقة ذاتية، وشخصية بعيدة كل البعد عن الواقع الخارجي المعاش، فالانغماس، والتمركز حول الذّات جعلهم بعيدين كل البعد عن الموضوعية، وعن إدراك الواقع، وضعف الارتباط به، ومحاولة السيطرة عليه بتوهم القدرة المطلقة، والشعور بالعظمة، وتخيل أنهم مضطهدين.

6/ يقرر المصاب في مراحل متقدمة أنه ينتمي للجنس الآخر، ويطلب من الآخرين أن يتفاعلوا معه على هذا الأساس إلى جانب السعي الحثيث من قِبله إلى التخلص من خصائصه الجنسية من خلال طلب الهرمونات، أو عمليات التحويل الجراحية (الشاطر، 2020م).

 

دور مناهج التربية الإسلامية:

يُعد المنهج من أهم الوسائل الفعّالة التي تُسهم في بناء المجتمع، والحدّ من المخاطر التي تواجهه؛ لأنه عبارة عن تفاعل بين الفرد، والبيئة، الاجتماعية المحيطة به، ومن ثمّ فإن العناية به من حيث التقويم، والتطوير أمرٌ محتم في ظل المتغيرات المعاصرة (شحاته، 2015م)، ولا يمكن لمنهج أن يضمن سلامة البناء، وشموليته للإنسان كما تضمنه مناهج التربية الإسلامية؛ إذ أنها ربانية المصدر، وتمتاز بالأصالة، والمعاصرة، والواقعية من خلال الأسس الجوهرية التي تقوم عليها؛ وهي: الأساس الفلسفي، الأساس النفسي، الأساس الاجتماعي، والأساس المعرفي (السيد، د.ت).

وبحسب دراسة (الحاج، 2015م) فإن اضطراب الهوية الجنسية يظهر في مستويات متعددة، هي المستوى المعرفي العقلي، والمستوى السلوكي، والمستوى الانفعالي؛ لذا فإن دور مناهج التربية في الوقاية، والعلاج سيسير وفق هذه المستويات من خلال عناصر المنهج المتمثلة في الأهداف الثابتة، والمتغيرة للمنهج، والمحتوى الذي تتحقق من خلاله هذه الأهداف، وطرق، وأساليب التدريس، والوسائل التعليمية، والنشاطات التربوية، وأخيراً دور المعلم.

 

أولاً، أهداف، ومحتوى مناهج التربية الإسلامية:

يرى أرون بيك ” ” Aron Beck أنّ ما يُفكر فيه الفرد، وما يقوله لنفسه، وكذلك اتجاهاته، وآرائه، ومُثله، تُعد جميعاً بمثابة أمور هامة، وذات صلة وثيقة بسلوكه الصحيح، أو المريض، وأن ما يكسبه الفرد خلال حياته من معلومات، ومفاهيم، يستخدمها جميعاً في التعامل مع المشكلات النفسية المختلفة، “لذلك؛ فالمعرفة، والقيم، التي تغرسها، وتناقشها مناهج التربية الإسلامية تُسهم في تنمية التوافق النفسي، والتوافق الاجتماعي؛ لأن هدفها اكساب المعرفة المؤدية إلى تغيير، وتقويم السلوك الإنساني.

 

لذلك نجد أن النبي ـ ﷺ ـ حينما أتاه الشاب يستأذنه في الزنى، ناقشه من منظوري العقل، والمُثل التي يتقلدها، حتى يعيده إلى السلوك الذي تحتّمه عليه تلك القيم، والمثل، فقال النبيُّ ﷺ: أتحبُّه لأُمِّكَ فقال: لا، جعلني اللهُ فداك، قال: كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لِأمَّهاتِهم، أتحبُّه لابنتِك؟ قال: لا، جعلني اللهُ فداك قال: كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لبناتِهم، أتحبُّه لأختِك؟ وزاد ابنُ عوفٍ حتى ذكر العمَّةَ، والخالةَ، وهو يقولُ في كلِّ واحدٍ لا، جعلني اللهُ فداك، وهو ﷺ يقولُ كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه”، فوضع رسولُ اللهِ ﷺ يدَه على صدرِه، وقال: اللهمَّ طهِّرْ قلبَه، واغفر ذنبَه، وحصِّنْ فَرْجَه، فلم يكن شيءٌ أبغضَ إليه منه”.

 

هذا يسوقنا إلى النظر في أهداف مناهج التربية الإسلامية، ونحن نعلم أن أهدافها تنقسم إلى أهداف ثابتة شاملة منبثقة من القيم الإنسانية الواردة في شريعة الله، وأهداف متغيرة تحقق الأهداف الثابتة بطريقة مناسبة للزمان والمكان (السيد، د.ت)، فنبحث في الأهداف المتغيرة هل تسهم فعلاً في ثبات الهوية الجنسية لدى المتعلمين، من حيث مناقشة قضايا الفطرة، والضرورات الخمس، والتسليم لأمر الله ورسولهﷺ، والإيمان بالقضاء والقدر، وهذا بدوره يحتاج إلى دراسة محتوى لمناهج التربية الإسلامية لكل مرحلة دراسية.

 

والهدف العام الذي أوصت الدراسات السابقة بإدراجه كوحدة في مناهج التربية الإسلامية، أو وضعه في منهج مستقل هو العناية بالتربية الجنسية، وتأصيلها شرعاً.

ويقصد بها:”مجوعة من المبادئ، والاتجاهات، والقيم، والآداب المتعلقة بالثقافة الجنسية التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف، ومن ثم الثقافة العربية، والعلوم الإنسانية الحديثة؛ لضبط سلوك الطفل بما يحقق توافقه الجنسي، والنفسي السليم”(القحطاني، 2022م)؛ مثل: حفظ الجسد، وحمايته، ومعرفة الفروق بين الذكر والأنثى، والأدوار المناطة بكل جنس، والغاية من التناسل، وقيمة العفة، وغيرها، وهذا ما أوصت به دراسة (الغامدي، 2010م. والتويم، 2020م) حيث أشارتا إلى ضرورة إدراج وحدة ضمن مقرر التربية الإسلامية تُعنى بالتربية الجنسية كحلّ للحد من مظاهر اضطراب الهوية الجنسية؛ كالشذوذ الجنسي، والتخنث، والاسترجال عند الإناث، وأيضاً إدراجه في مناهج مدارس الطفولة المبكرة كما أوصت بذلك دراسة (القحطاني، 2022م).

والمنطلقات الشرعية في هذه المسألة من القرآن، والسنة كثيرة منها عل سبيل المثال لا الحصر، قول النبي ﷺ:” لاَ ينظرُ الرَّجلُ إلى عورةِ الرَّجلِ، ولاَ تنظرُ المرأةُ إلى عورةِ المرأةِ، ولاَ يفضى الرَّجلُ إلى الرَّجلِ في الثَّوبِ الواحدِ، ولاَ تفضي المرأةُ إلى المرأةِ في الثَّوبِ الواحدِ”[1]، ونهي النبي ﷺ عن تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال،  كذلك سورة النور التي ناقشت آداب الاستئذان، وستر العورة، وغض البصر، ووسائل حفظ المجتمع من خلال هذه الأحكام، ومن هذه النصوص اُستنبطت عدة مبادئ، وأسس للتربية الجنسية، أشارت إليها (القحطاني، 2022م) في دراستها، وهي:

  • الأساس الأول: تعليم الطفل آداب الاستئذان، وتعويده عليها.
  • الأساس الثاني: تدريب الطفل على غض البصر، وستر العورة.
  • الأساس الثالث: تجنيب الطفل للمثيرات الجنسية.
  • الأساس الرابع: عزل الأطفال بعضهم عن بعض في الفراش.
  • الأساس الخامس: تعليم الطفل قواعد السلامة؛ لحمايته من الاعتداء الجنسي.
  • الأساس السادس: الإجابة عن تساؤلات الطفل الجنسية، بما يتوافق مع وعيه، وقدراته العقلية.
  • الأساس السابع: الثقافة الجنسية؛ وهي عملية تثقيفية تستهدف البالغين؛ لتوفير المعلومات الصحية، والنفسية، والجسدية.

وهذه الأسس في معطياتها يجب أن تراعي كل مرحلة عمرية يمر فيها المتعلم.

 

 

ثانيًا، طرق، وأساليب التدريس:

لا يقتصر التعليم الحديث على طريقة محددة، أو أسلوب واحد بل هو يراعي الفروق الفردية، ويحفّز كل مهارات، وقدرات الطالب، وهذا ما تسلكه مناهج التربية الإسلامية الحديثة، وفيما يخص اضطراب الهوية الجنسية فإن هناك بعض أساليب، وطرق التدريس التي أشارت الدراسات بجدواها فيما يتعلق بتعزيز ثبات الهوية، ومقاومة عوامل الاضطراب، وهي تدور على عملية التطبيع، أو التنميط الجنسي، والذي يُقصد به تعلّم السلوكيات، والاتجاهات المناسبة لجنس المتعلم من خلال المحاكاة، وتقمص الدور، ومن تلك الأساليب:

  • تعليم الأقران: تفعيل الاستراتيجيات، وطرق التدريس التي تجعل المتعلم يتفاعل مع أقرانه، فالأطفال من أربع إلى خمس سنوات يحتاجون إلى الحب، والقبول بشدة من أقرانهم من نفس الجنس، كما يبدؤون في تعلم كيفية تكوين الصداقات، لذا فالتفاعل مع الأقران يعتبر خطوة مهمة في تأكيد هوية الطفل الجنسية، ويسهم كذلك في تعلم الأدوار الاجتماعية المتوقعة من ذات الجنس من خلال الأقران لا سيما في حالات تفرد الطفل بأحد الوالدين من الجنس الآخر.
  • التربية بالقدوة: ويعني عرض نموذج صالح اجتماعياً، ودينياً يُقتدى به من نفس جنس المتعلم تجعله يتقمص ذلك الدور، ويؤكد به هويته الجنسية بما يتناسب مع البيئة، والمجتمع الذي يعيش فيه، سواء من خلال القصص، أو الرسوم المتحركة، أو ضرب المثل، كذلك عقد اللقاءات بالنماذج الصالحة اجتماعياً، وهذا ما تؤكده النظرية السلوكية، فالدور لكل جنس مرتبط بالسلوكيات، فهو بذلك أمر مكتسب إلى جانب كونه فطري، مثل أي نمط سلوكي يتشكل من قبل التعزيز، فعملية تعزيز، ونضج الهوية الجنسية ناتجة عن عملية “التعلم” (الشاطر،2020م، حلباوي، ورباحي، 2021م).

 

 

ثالثًا، البيئة والوسائل التعليمية:

تهيئة البيئة التعليمية بشكل يتوافق مع هوية الطفل البيولوجية ذكراً كان، أو أنثى؛ بحيث تكون الألوان في الصف، والألعاب، والوسائل التعليمية، مناسبة لجنس الطفل، كذلك تصنيف الأطفال وفق جنسهم في الصفوف التعليمية، وهذا ما أيّدته دراسة (القحطاني، 2022م) حيث ذكرت “أن نظام مدارس الطفولة المبكرة التي كانت ضمن مجتمع الدراسة تشجع الطفل على التوحد مع زملائه من نفس الجنس، حيث يمتنع الاختلاط بين الجنسين في الفصول، وفي فترة الاستراحة (الفسحة) ممّا يساعد الطفل على تكوين اتجاه إيجابي نحو الجنس الذي ينتمي إليه.

 

 

رابعًا، النشاطات الصفيةً واللاصفية:

يعد النشاط المدرسي جزءًا من المنهج المدرسي الحديث، فهو يساعد على تكوين عادات، ومهارات، وقيم وأساليب تفكير موصلة للتعلم، والمشاركة في التنمية الشاملة؛ لذا فعقد النشاطات الاجتماعية للمتعلم داخل المدرسة، وخارجها وسيلة مهمة يؤكد من خلالها هويته الجنسية، ويمارس أدواره المتوقعة منه، ممّا ينجم عنه انتقال، وتبادل للقيم، والثقافة، والأدوار الاجتماعية المقررة شرعاً، وعرفاً لكل جنس، ويُعدّ هذه الأسلوب من الأساليب الناجحة التي أتبعها المعالج النفسي “كينيث ج.زوكر” حيث يرى أن ديناميات الأسرة، والأقران يمكن أن تؤدي دوراً هاماً في تطوير، واستدامة السلوك غير المطابق للهوية الجنسية للأطفال المصابين؛ لذا كان يقترح على الأسرة أن تنظم مواعيد للعب أطفالهم مع أقران من نفس الجنس ( The New Atlantis ).

وتعتبر هذه النقطة ضرورة لا سيما عند من يعيش وحيداً في كنف أحد الوالدين من الجنس الآخر، أو أن يكون محاط بإخوة من غير جنسه، وهذا ما توصلت إليه دراسة (حلباوي، ورباحي، 2021م)، فالتفاعل الاجتماعي لعيّنة الذكور داخل الأسرة مع الإناث ساهم في تعزيز المؤشرات الثقافية، والنفسية المتعلقة بالجنس الأنثوي؛ ممّا أدى إلى اضطراب الهوية الجنسية لدى العيّنة بسبب غياب النموذج الذكوري من جهة، وغياب الضبط الأبوي من جهة أخرى.

 

 

دور معلم التربية الإسلامية:

حينما يكبر الطفل وهو مصاب باضطراب الهوية الجنسية فإنه في غالب الأحوال، يتحول إلى نوع من الانحرافات الجنسية، ويذكر الأطباء أنه لا يوجد في الوقت الحالي علاج دوائي يصفه الطبيب لحالات اضطراب الهوية الجنسية، ولكن العلاج يكمن في مساعدة هذا الشخص على مواجهة مشكلاته النفسية، والصحية، والاجتماعية، ورفع المستوى الإيماني، والتعليمي لديه حيث خلُصت دراسة (الشايجي وآخرون، 2002م) ودراسة

(كتبخانة وآخرون، 2002م) أن هناك علاقة ارتباطية بين ضعف الالتزام الديني، وقصور المستوى العلمي، وبين السلوكيات الشاذة (في الجهني، 2014م).

ولا يفوتنا أن نوضح أن الغرب كفّ عن اعتبار الجنسية المثلية مرضاً نفسياً، أو عقلياً، أو بدنياً، وجرّم من يصفه بذلك، ووصمه بالتحيز، والمناهضة للتفكير العلمي، واعتبرت جمعية الطب النفسي الأمريكية أن السلوك المغاير للجنس شكل طبيعي من النشاط الجنسي للبشر، ورفضت تصنيفه، أو إدراجه تحت أي اضطراب سيكبتري في الدليل التشخيصي للاضطرابات النفسية (خطاب، محمد. 2021م)، وتم استبدال مصطلح ” اضطراب الهوية الجندرية” بمصطلح ” عدم الارتياح مع الجندر” (The New Atlantis )

وفي هذه المرحلة يتمثل دور المعلم في الحد من المظاهر التي تنتج عن اضطراب الهوية الجنسية؛ مثل: التشبه بالجنس الآخر، أو الشذوذ الجنسي؛ لذا أكدت دراسة (الجهني، 2014م والتويم، 2020م) على الأهمية الفعلية لمعلم التربية الإسلامية في تمثيل دوره؛ كمربي، وموجّه قبل أن يكون ملقّن، فبناء على ما توصلت إليه الدراسة المسحية ثبت أن دور المعلم في الحد من السلوكيات الشاذة متقدم بحسب استجابة العينات على دور الإدارة المدرسية، والنشاط الطلابي؛ ولهذا أوصت بتعزيز دور معلم التربية الإسلامية من خلال التدريب المستمر على ملاحظة تلك المشكلات، ومن ثم احتوائها، وعلاجها بالتعاون مع الإرشاد النفسي في المؤسسة التعليمية، والأسرة بما يضمن سلامة المضطرب، والتزامه للسلوك السوي.

ومن التوصيات التي خَلُصت إليها دراسة (الجهني، 2014م) أن تُعقد دورات تدريبية دورية للطاقم التعليمي بشكل عام هدفها اطلاعهم على ما هو جديد في مجال المشكلات، والانحرافات غير السوية، وإكسابهم مهارة تنفيذ البرامج الوقائية الأولية في التعامل معها، ومساعدتهم على تحسين البيئة الصفية، وتنظيمها بما يُسهم في الوقاية من الانحرافات الأخلاقية، والجنسية.

بقي لنا أن نشير إلى أن مناهج التربية الإسلامية حلقة في سلسلة مؤسسات التعليم، وما تقوم به تلك المؤسسات من جهود لابد أن يتظافر مع غيرها من مؤسسات الإرشاد الصحي، والنفسي، والاجتماعي، ومراكز الأبحاث، والإعلام التوعوي التقليدي، والحديث، وغيره، مما يكفل سلامة الفرد، والمجتمع، ويحفظ عليه أمنه، واطمئنانه.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المراجع

التويم، سديم عثمان. (2019م). دور المدرسة الثانوية في وقاية الطالبات من السلوكيات الشاذة في ضوء مبادئ التربية الإسلامية من وجهة نظر المعلمات بمدينة الرياض. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.

الجهني، حنان عطية. (2014م). أسباب جنوح الفتاة نحو الشذوذ الجنسي المثلي وطرائق العلاج: دراسة تربوية إسلامية. مجلة التربية بجامعة الأزهر. 3 (159)، 781 ـ 844.

الحاج، فاتن، والرشيد، لولو. (2015م). فاعلية برنامج معرفي سلوكي في التخفيف من حدة أعراض اضطراب هوية النوع لدى عينة من الفتيات المسترجلات (البويات) في جامعة القصيم. مجلة الإرشاد النفسي. 3 (42)، 273 ـ 330، مسترجع من:

https://cpc.journals.ekb.eg/article_49048_2c68d463d9a39c0852c3f338a9ec468e.pdf

حلباوي، إبراهيم ورباحي، مصطفى. (2021م). التربية المبكرة وعلاقتها باضطراب الهوية الاجتماعية الجندرية لدى الذكور. مجلة أبحاث. 6 (1)، 774 ـ 791.

خطاب، محمد أحمد. (2021م). الديناميت النفسية لمثلي الجنسية لدى عينة من الذكور. مجلة الإرشاد النفسي1. (65)، 335 ـ 736.

السيد، عاطف. (د.ت). التربية الإسلامية أصولها ومنهجها ومعلمها. (ج1). (د. م)، مسترجع من:

https://ketabonline.com/ar/books/1010/read?part=1&page=1&index=106753

الشاطر، داليا. ( 2020م). أساليب المعاملة الوالدية كمتغير منبئ بظهور الهوية الجنسية لعينة من الذكور. مجلة كلية الآداب. مسترجع من:

https://kgef.journals.ekb.eg/article_225092_ffe030a09af6527b6e1523c031c0ba45.pdf

شحاته، حسن سيد وعلي، داليا محمد ورسلان، مصطفى. (2015م). مفاهيم وقيم الهوية الثقافية في مناهج التربية الدينية الإسلامية للمرحلة الثانوية. مجلة كلية التربية جامعة عين شمس. 4(39)، 565 ـ 586.

الغامدي، عثمان ساعد. (2010م). أهمية تضمين مناهج التربية الفكرية معارف التربية الجنسية ومهاراتها من وجهة نظر العاملين في معاهد وبرامج التربية الفكرية. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الملك سعود، المملكة العربية السعودية.

القحطاني، نوف شديد. (2022م). مستوى تطبيق الأمهات للتربية الجنسية لحماية أطفالهن من اضطراب الهوية الجنسية. المجلة العربية للنشر العلمي (AJSP). (84)، 586 ـ 620.

مقال بعنوان ” الهوية الجندرية” مسترجع من (The New Atlantis ):

https://www.thenewatlantis.com/publications/part-three-gender-identity-sexuality-and-gender

[1] حديث صحيح رواه الترمذي

اشترك في نشرتنا البريدية