14 أغسطس, 2023
عبر قرون انطلق الفقهاء المسلمين في تحريم الإجهاض، وبناء منظومة أحكامه من بعض التعليلات الأخلاقية التي أوجزها بعض الباحثين في النقاط الآتية:
ولذلك أجمع الفقهاء على حرمة إجهاض الجنين في ما مرحلة ما بعد نفخ الروح، ورتبوا عليها أحكام شرعية دنيوية، وأخروية؛ كجواز الصلاة عليه، وتكفينه، ودفنه.
فرغم أن الجنين قبل نفخ الروح؛ كالجمادات، إلا أنهم حرموا إجهاضه قبل ذلك؛ لأن به حياة اعتبارية تبدأ بلحظة الانعقاد، وتحوله إلى حمل، ودخوله مرحلة
الحياة، وهذا ما دفع ابن الجوزي إلى تحريم الإجهاض من لحظة النطفة؛ لأنه “مترق إلى الكمال، سار إلى التمام، فتعمد إسقاطه مخالف لمراد الحكمة الإلهية”.
وقد ألح الفقهاء كثيرًا على مسألة التخليق، ومبدأ خلق الإنسان؛ لأن الآدمية مبدأ يستوجب الاحترام؛ ولأنه سائر إلى التمام والكمال كما أشار ابن الجوزي.
مسألة الجنين كلها تدور في إطار قضية الخلق الإلهي، وأنها مسألة دينية، والإجهاض جزء من نظام الخلق، ولذلك كان فيه مخالفة لمراد الحكمة الإلهية التي
وكلت ملكا يختص بالنطفة كما جاء في الحديث الشريف، ومن ثم أوجب الفقهاء الدية، والكفارة على الجنين الذي فيه صورة آدمي، وهي عقوبة مقدرة حقا لله تعالى.
📝 لا ينبغي الظن أن جدل الإجهاض قاصر على الداخل الإسلامي، وأن الغرب حسم أمره في مسألة الإجهاض؛ فثمة جدل حاد تعود جذوره إلى عام (1973) حين
أصدرت المحكمة العليا الأمريكية قرارها بعدم دستورية قانون تجريم الإجهاض بولاية تكساس، وضرورة وقف التشريعات المناهضة للإجهاض خلال الشهور الثلاث الأولى
من الحمل.
ورغم أن دولاً عديدة سبقت إلى ذلك إلا أن القرار الأمريكي يعد نقطة حاسمة في الجدل الغربي حول الإجهاض، إذ انقسمت الآراء بشأنه؛ فالمؤيدين تكتلوا تحت شعار
مؤيدو الاختيار “Pro Choice”
أما المعارضين فشكلوا معسكرًا مناوئا تسمى باسم مؤيدو الحياة “Pro Life” وكل منهما له حججه ومقارباته.
ورغم أن الحركة النسوية كانت من أبرز المؤيدين لقرار المحكمة إلا أن موقفها يحتاج بعض الإيضاح؛ ذلك أن الرائدات النسويات في القرن التاسع عشر؛ مثل:
سوزان أنتوني، وإليزابيث كادي ستانتون، وماتيلدا جوسلين عارضن الإجهاض بوصفه إجراء صحي غير آمن، واعتبرنه استغلالا للمرأة من قبل الجنس الذكوري، وظل
موقف الحركة ثابتا، ولم يتغير حتى أواخر الستينات من القرن الماضي مع الثورة الجنسية التي خلخلت الأفكار التقليدية حول الجنس والجسد.
وعندئذ أخذت الحركة النسوية الأمريكية تُسير التظاهرات المؤيدة للإجهاض، ورفعت خلالها ♂️♀️ شعار “حق المرأة في الإجهاض يعادل حقها في الوجود”.
وعلى أثر ذلك قامت “المنظمة الوطنية للمرأة الأمريكية” بتمحيص صفوفها ممن رفضن موقفها من الإجهاض، واتجهت المفصولات عام 1972
إلى تأسيس نسويات من أجل الحياة “Feminists for Life of America” من الرافضات للإجهاض، وذلك في مواجهة التيار النسوي المهين الذي كان نواة
تحالف “مؤيدو الاختيار”.
ومنذ تأسيسها تعرضت النسوية المؤيدة للحياة للإقصاء، والتهميش؛ فامتنعت دور النشر، والمنابر النسوية عن نشر أي كتابات تعبر عن وجهة نظرها المغايرة التي
تتلخص في أن التيار النسوي المهيمن انحاز إلى وجهة النظر الذكورية بدلا من الدفاع عن المساواة بشروطه الخاصة، لقد أُجبرت النساء على الخضوع للقيم الذكورية
التي تعد النساء دمى جنسية يمكن التمتع بها، والتخلص منها، وساعد الإجهاض الرجال على التخلي عن مسؤولياتهم تجاه الأم والجنين.
ويتبنى هذا الفريق النسوي مقاربة أخلاقية لمسألة الإجهاض؛ ملخصها أن الإجهاض يعني قتل إنسان برئ، وهو عمل لا أخلاقي لا يمكن تبريره؛ لأنه ليس هناك
ما يسمى الحق في قتل الأبرياء، سيما وأن خمسين بالمائة من الأجنة المجهضة هي أجنة مؤنثة لا يراد إنجابها، فإذا كان مؤيدو الاختيار يريدون أن تنال المرأة حقها في
السيطرة على جسدها فعليهم أولا أن يمنحوها حقا أكثر جوهرية من ذلك وهو “حقها في ألا تقتل.”