1 يناير, 2024
بحث: د. أسماء بنت صالح العامر
دكتوراه في الشريعة- تخصص الفقه
إنَّ مما يحصل في أوقات المواسم، وبعض أوقات الذروة في المسجد الحرام ازدياد عدد الحجاج والمعتمرين، مما يجعل الحرم مكتظاً بالمصلين والزوار، ولا شك في حدوث الاختلاط في صفوف الصلاة، وفي المطاف، وفي المسعى، وأيضاً في الساحات وغيرها من الأماكن المفتوحة، ومن الصور التي تحصل ما يلي:
1- محاذاة المرأة للرجال ووقوفها معهم في الصف، وذلك أنها تصف حيث انتهى بها المقام؛ لعجزها عن تخطي الرقاب، ولشدة الزحام.
2- تزاحم الرجال مع النساء عند المقام، وبين الحجر والباب.
وقد سبق العرض في مسألة سابقة عن جواز الاقتداء بإمام الحرم من خلال الفنادق المطلة على الحرم، ومما يعلم أنَّ الصلاة في الحرم مضاعفة إلى مئة ألف صلاة.
واقتداء المرأة بإمام الحرم وهي في الفندق المطل هل هو أفضل لها، وتضاعف لها الصلاة، أم لابد من النزول للحرم؟
* اتفق الفقهاء على أنَّ صلاة المرأة في مسكنها أفضل من صلاتها في المسجد([1])، ويشمل ذلك المساجد الثلاثة ([2]). ولكن هل إذا صلَّت المرأة في هذه المساجد الثلاثة تشملها المضاعفة؟
إنَّ الصلاة بالمسجد الحرام تعدل مئة ألف صلاة، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم تعدل ألف صلاة، وبالأقصى تعدل خمسمائة صلاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلَّا المسجد الحرام) ([3]).
وما جاء في حديث أم حميد الساعدية رضي الله عنها، أنَّها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إنِّي أحب الصلاة معك، قال: (قد علمت أنَّك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي)([4])
وما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها([5]) أفضل من صلاتها في بيتها)([6]).
قال ابن خزيمة: أنَّه أراد بالتفضيل صلاة الرجال دون صلاة النساء ([7]).
وحيث إنَّي لم أقف على خلاف بين الفقهاء في هذه المسألة، إلَّا أنَّه يناقش بالآتي:
1- لا يُسلم بذلك، بل هو يشمل النساء أيضًا ([8]).قال الألباني معقبا على تبويب ابن خزيمة: «بل يشمل النساء أيضا، ولا ينافي أنَّ صلاتهن في بيو تهن أفضل، ومثله الرجل إذا صلَّى النافلة في مسجده صلى الله عليه وسلم له الفضل المذكور، لكن صلاته إياها في البيت أفضل فتأمل»
2- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( والذي لا إله غيره ما صلَّت امرأة صلاة خير لها من صلاة تُصلِّيها في بيتها إلَّا أنْ يكون المسجد الحرام، أو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم, إلَّا عجوزًا في منقَلِها([9]))([10])، فدلَّ ذلك على أنَّ صلاة المرأة في أحد المساجد الثلاثة أفضل من صلاتها في مسكنها، وتضاعف لها([11]).
ومع التعارض الوارد بين الأدلة فالذي يظهر – والله أعلم-: أنَّ صلاة المرأة في مسكنها تحصل فيها المضاعفة, بل أكثر, وخاصة بمكة, فإنَّ المضاعفة تحصل في كل الحرم, فإذا صلَّت المرأة في الفندق المطل على الحرم حصلت لها المضاعفة([12])؛ ولها الأجر في نيتها اجتناب محاذاة الرجال, أو الوقوف معهم في الصف بسبب شدة الزحام, أو قد تصلِّي أمام الرجال وقد اختلف أهل العلم في بطلان صلاتها وصلاتهم وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن حكم صلاة الرجال خلف النساء فأجاب بقوله: ” إذا صلَّى الرجال خلف النساء فإنَّ أهل العلم يقولون لا بأس، لكن هذا خلاف السنة؛ لأنَّ السنة أنْ تكون النساء خلف الرجال، إلَّا أنَّه كما هو مشاهد في المسجد الحرام يكون هناك زحام وضيق فتأتي النساء وتصف، ويأتي رجال بعدهن فيصفون وراءهن، ولكن ينبغي للمصلِّي أنْ يحترز عن هذا بقدر ما يستطيع؛ لأنَّه ربما يحصل من ذلك فتنة للرجال فليتجنب الإنسان الصلاة خلف النساء وإنْ كان هذا جائزاً حسب ما قرره الفقهاء، لكننا نقول ينبغي للإنسان أنْ يتجنب هذا بقدر المستطاع, وينبغي للنساء أيضاً ألا يصلين في موطن يكون قريباً من الرجال” ([13]).
ومن النصوص المانعة من مخالطة الرجال للنساء في البقاع المقدسة ما يلي:
1- أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أنْ تتوسط الطريق، فعن أبي أسيد الأنصاري -رضي الله عنه- أنَّه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، يقول – وهو خارج من المسجد حين اختلط الرجال مع النساء فِي الطريق –:
(استأخرن؛ فإنَّه ليس لَكنّ أنْ تَحْقُقْن الطَّرِيق، عليكن بحافات الطَّريق)([14]).
2- تأخر النبي صلى الله عليه وسلم حتى يخرج النساء من المسجد، فعن أم سلمة لقالت: “إنَّ النساء كنّ إذا سلمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلَّى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال)([15]), وفي رواية للبخاري أيضاً: ”
قال ابن شهاب: (فأرى – والله أعلم – أن مكْثه لكي يَنْفُذَ النساء قبل أن يُدْركَهُنَّ من انصرف من القوم)([16]).
3- عن سهل بن سعد، قال: كان رجال يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم عاقدي أزرهم على أعناقهم، كهيئة الصبيان، ويقال للنساء:(لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا)([17]).
وللشيخ ابن عثيمين كلاماً نفيساً عن المضاعفة للمرأة حيث قال: ” أنَّ الفضل يكون بالكمية، ويكون بالكيفية، فصلاة المرأة في بيتها من حيث الكيفية أفضل من صلاتها في المسجد من حيث الكمية، وصلاة الرجل النوافل في بيته أفضل من حيث الكيفية من صلاته في المسجد من حيث الكمية، ولذلك نقول أنَّ المرأة إذا صلت في البيت فهو أفضل من الصلاة في المسجد الحرام، وثوابه أكثر من ثواب المسجد الحرام، لكن بالكيفية لا بالكمية” ([18]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1])- ينظر: البحر الرائق,1/380, بداية المجتهد, 2/77, المجموع,4/198, المغني,2/149.
([2])- ينظر: شرح فتح القدير, 3/182, مواهب الجليل,2/113, الفتاوى الفقهية الكبرى ,1/201, الفروع,2/454.
([3])- صحيح البخاري، ح 1190, كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة، والمدينة, 2/60.
([4])- مسند أحمد، ح27090, مسند النساء، حديث أم حميد, 45/37. قال الهيثمي: ” رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير
عبد الله بن سويد الأنصاري، ووثقه ابن حبان”. مجمع الزوائد, 2/34.
([5])- مخدعها: “المخدع، هو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير”. النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة: (خدع), 2/14.
([6])- سنن أبي داوود، ح570,كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد,1/156. قال النووي: إسناده صحيح على شرط مسلم. ينظر: خلاصة الأحكام, 2/678.
([7])- ينظر: صحيح ابن خزيمة، 3/94, الفروع وتصحيح الفروع، 2/454, أضواء البيان,5/759.
([8])- ينظر: صحيح الترغيب والترهيب,1/258.
([9])- منقلها: الخُف الخَلِق، بمعنى القديم البالي. ينظر: غريب الحديث، ط1, مادة: (نقل), 4/70.
([10])- السنن الكبرى للبيهقي، ح 5364, جماع أبواب إثبات إمامة المرأة وغيرها، باب خير مساجد النساء قعر بيوتهن، /188.
قال الهيثمي: “رجاله رجال الصحيح”. مجمع الزوائد, 2/35.
([11])- ينظر: الفروع 2/454, فتح الباري, 8/56.
([12])- فتاوى المرأة المسلمة, 1/310.
([13])- مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، 13/19.
([14])- سنن أبوداود، ح 5272، باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق “. حسن، ينظر: صحيح وضعيف سنن أبي داوود, 1/2.
([15])- صحيح البخاري، ح 866, كتاب الأذان، باب انتظار الناس قيام الإمام العالم, 1/172.
([16])- صحيح البخاري، ح 837, كتاب الأذان، باب التسليم, 1/167.
([17])- صحيح البخاري، ح 362, كتاب الصلاة، باب إذا كان الثوب ضيقا, 1/81.