الحملة العالمية ضد الحجاب تهدف لقولبة الحجاب في صورة نمطية، زاعمة أنه ينتقص من حقوق المرأة وحريتها، مع ربط هذه الصورة بالإسلام بدعوى أن الحجاب هو إفراز لـ”التطرف الإسلامي”، والأمر لا يقتصر على الغرب، بل الإعلام العربي في حربه على الحجاب أشد ضراوة وإسفافا وامتهانا. فـ(الحجاب: حجاب على العقل)، و(النقاب: خيمة) و(الملتزمة بأحكام الشرع: معقدة) و(قيمة المرأة ترتفع كلما تقلصت مساحة القماش الذي تلبسه). في كتابه (الحجاب شريعة الله في الإسلام واليهودية والنصرانية)، يرد المؤلف سامي عامري على الشبهات المثارة حول الحجاب، والتي يرددها المتغربون من أبناء جلدتنا، نقلا عن المستشرقين والمنصرين، ليؤكد أن الحجاب فرض في جميع الأديان السماوية في الإسلام والنصرانية واليهودية.
ويشير المؤلف في المقدمة إلى أنه ليس الهدف من الكتاب أن نقول للنصارى واليهود: إن ديننا لا يدعونا إلى (عيب)، فإن عندكم الحجاب كما هو عندنا!
إننا لا نتبنى هذا الخطاب الذي يرضى بأن يكون الشرع محل تهمة وموضع حرج وريبة، حتى نهرع لنقول لغيرنا: إن الدليل على أننا على الحق، هو أن دينكم أيضا يدعوكم إلى ما يدعو إليه الإسلام. إنما غاية الكتاب تبشير المسلمة بأن الله قد اصطفاها وخصها بفضله، بأن تكون وحدها من بين نساء أمم الأرض التي تحافظ على شريعته، وتستجيب لأمره، بينما أوغلت الأمم الأخرى في الحرام، وتركت ما أنزل عليها من الحق.
شبهات العلمانيين حول الحجاب
وقد تحدث المؤلف في الفصل الأول على شبهات العلمانيين ومن تابعهم، ليظهر تهافتها وضعفها، ساق الأدلة الشرعية من القرآن والسنة على فرضية الحجاب ثم ساق عدد من شبهات العلمانيين حول الحجاب في الإسلام ، نحو زعمهم أن (الإسلام لا يمنع المرأة من أن تلبس على الموضة ما دام اللباس محتشما)، ونقل المؤلف كلام أهل العلم التي تؤكد اتفاق علماء الإسلام منذ عصر الصحابة على أنه على المرأة الحرة أن تغطي كامل بدنها، ولم يختلفوا إلا في الوجه والكفين والقدمين، وهذا الاتفاق مبثوث في كتب أهل العلم.
ومن الشبهات التي تناولها المؤلف قول العلمانيين: (إن الدعوة للحجاب في القرن الواحد والعشرين هي دعوة صريحة إلى الانتكاس والعودة إلى القرون الوسطى وعصور الظلام) ، ومن الشبهات التي تناولها المؤلف بالرد الدعاوي بأن (الحجاب يتعارض مع حرية المرأة) أو أن (الحجاب امتهان لكرامة المرأة). مبينا الأرقام والإحصاءات التي تؤكد امتهان المرأة في الغرب من خلال تعرضها للتحرش والاغتصاب والعنف على الرغم من الحرية المزعومة، مع عرض شهادات عدد من الغربيات اللاتي اهتدين للإسلام عن الحجاب.
ومن الشبهات التي تناولها المؤلف زعم العلمانيين أن (الحجاب تزمت وتعصب وتكلف في اللباس وتضييق على النفس) ومن الشبهات كذلك زعمهم أن (الحجاب يمنع المرأة في التعبير عن نفسها) وزعمهم أن (الحجاب في القلب وليس هو مجرد قطعة قماش تلقى على الرأس) وفد استفاض المؤلف في الرد على هذه الشبهات جميعها، بما لا يتسع المقام هنا لذكره.
الحجاب في اليهودية
ثم انتقل المؤلف إلى الحجاب في اليهودية، مبينا مصادر الشريعة اليهودية المكتوبة والشفاهية. مشيرا إلى أن أمر اللباس والعورات يحتلان جانبا كبيرا من التفكير اليهودي، حيث إن لهما علاقة وطيدة بالعبادات والمعاملات والجنايات، ويورد نصا جاء في التلمود البابلي “الرجل مجد الله، واللباس مجد الرجل”، كما تشير تفاسير الأحبار اليهود أن أحد الأسباب الأربعة لخلاص الإسرائيليين في محنتهم في مصر، هو أنهم قد حافظوا على اللباس الذي كان يميزهم، ولم يتنازلوا عنه لصالح لباس أهل البلد.
وتتناول الشريعة اليهودية لباس المرأة بالتفصيل، نحو ما جاء في سفر التثنية 22/5 “يحظر على المرأة ارتداء ثياب الرجل، كما يحظر على الرجل ارتداء ثياب النساء؛ لأن كل من يفعل ذلك يصبح مكروها لدى الرب إلهكم”.
ومن النصوص التي تتناول الحجاب، ما جاء في سفر التكوين 24/64-65: “ورفعت رفقة عينيها فرأت إسحق فقفزت عن الجمل، وقالت للخادم: من هذا الرجل القادم في الحقل للقائنا؟، فقال الخادم: هو سيدي، فأخذت الحجاب/ البرقع واحتجبت به”. “الحجاب/البرقع” (هتصاعيف) وهو كما تقول الموسوعة الكتابية: “رداء كبير كان يستعمل في ذاك الزمان لتغطية وجه المرأة أيضا”.
ووصف سفر دانيال 13/2-3 “سوسنة” بأنها مؤمنة تقية: فتزوج امرأة اسمها سوسنة، ابنة حلقيا، وكانت جميلة جدا ومتقية للرب، وكان والداها بارين، فربياها على حسب شريعة موسى”، وقد جاء وصفها في سفر دانيال أنها كانت منتقبة.
ويسرد المؤلف الكثير من النصوص التي تتضمن الحجاب، وينقل عن الحبر “ماير شلر” إجماع فقهاء اليهود على حرمة أن تكشف المرأة اليهودية المتزوجة كامل شعرها في الشارع. كما ينقل عن العديد من الأحبار اليهود قولهم بأن شعر المرأة عورة.
وتعتبر اليهودية أن الرجل الذي يسمح بكشف شعر زوجته ديوث، قال الحبر “حزقياهو”: “لتكن اللعنة على كل رجل يسمح لزوجته أن تكشف شعرها، هذا جزء من عفة الأسرة”.
الحجاب في النصرانية
بعد ذلك ينتقل المؤلف للحديث عن الحجاب في النصرانية. مؤكدا أن كتاب أسفار العهد الجديد، على قناعة تامة بأهمية اللباس في ضبط السلوك وتوجيه العلاقات العامة والخاصة بين الرجال والنساء.
وينقل المؤلف عن انجيل متى 5/27-29 – نقلا عن المسيح بزعمهم: وسمعتم أنه قيل: لا تزن، أما أنا فأقول لكم: كل من ينظر إلى امرأة بقصد أن يشتهيها، فقد زنى بها في قلبه، فإن كانت عينك فخا لك، فاقلعها وارمها عنك، فخير لك أن تفقد عضوا من أعضائك، ولا يطرح جسدك كله في جهنم”.
ثم يورد المؤلف عدداً من النصوص التي جاءت في الأناجيل عن الحجاب، نحو ما جاء في رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 11/4-10: “فكل رجل يصلي أو يتنبأ وعلى رأسه غطاء، يجلب العر، وكل امرأة تصلي أو تتنبأ وليس على رأسها غطاء تجلب العر على رأسها؛ لأن كشف الغطاء كحلق الشعر تماما”.
يقول “ألفن شميث”: “طلب كل من آباء الكنيسة والعديد من المجامع الكنسية بصورة مقننة من المرأة المتزوجة أن تتحجب”، ويقول ترتليان، الذي يسمى بأبي الكنيسة اللاتينية: “إن على العذراء أن تلبس الحجاب في الشارع كما في الكنيسة دون فارق. وكما أنها مطالبة بالحجاب من أجل الملائكة، فهي كذلك مطالبة به من أجل الرجال حتى لا يفتنوا بها”.
ويقول كلمنت السكندري، الذي كان من أعظم علماء اللاهوت في زمانه (150م-215م): “لا بد للمرأة أن تغطي جسدها بصورة كاملة، ما لم تكن موجودة في بيتها؛ لأن هذا الطراز من اللباس وقور وهو يحميها من حملقة العيون في جسدها. وهي أيضا بتغطيتها وجهها لا تدعو غيرها ليسقط في الخطيئة”.
وخلال هذا الفصل يورد المؤلف الكثير من الأقوال للقدسيين النصارى التي تدعو للحجاب نحو أوغسطين، ويوحنا ذهبي الفم، وأمبروز، وتوما الأكويني، كما يذكر قرارات المجمعات الكنسية بشأن الحجاب.
ويختم المؤلف كتابه بالتذكير أن هذه النصوص هي حجة على نصارى اليوم، الذين تركوا ما يدعوهم إليه دينهم جانبا.
المصدر:
http://cutt.us/1kdq4