القائمة الرئيسية


مقالات: وقفات مع مقررات مؤتمرات الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (موئل)

11 فبراير, 2017

  • شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى إخوانه المرسلين، وعلى آلهم وأصحابهم ومن اتبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فإن من المسَلَّم به وجود إشكالات ناشئة عن توسع المدن ونشوء الحياة في أطرافها عفوية عشوائية. وحاجة الناس إلى معالجة تلك الإشكالات حاجة فطرية وشرعية وإنسانية، لما يترتب على إهمالها من مخاطر تلحق المدن المستقرة، والمستوطنات الناشئة.

والواجب أن يكون التعامل مع تلك الإشكالية بنوعين من الإجراءات:

الأول: إجراءات استباقية من قبل الدول، عمادها التخطيط المحكم المسبق لإحداث موائل تفي بمتطلبات الناس وحاجاتهم الأساسية، ثم يتوسع تنفيذ التخطيط بتوسع انتشار الناس، تحت ظل أنظمة الدولة التي يجب أن تكفل العدالة.

الثاني: معالجة إشكال المستوطنات التي نشأت دون تخطيط.

وهذا ما اعتنت به مؤتمرات الموئل.

إلا أن تلك العناية اشتملت على أمور نرى أنه من البدهي أن تقل به فاعليتها، فيضعف التنفيذ، بل على أمور ربما تعود على غرضها بالنقض، وذلك على الأقل في بعض الدول.

ويمكن أن تجمل تلك الأمور في مأخذين اثنين:

المأخذ الأول: التركيز على أمور عامة لا تخص الموائل، تحتاج إلى جهود كثيرة، بينما هي ضعيفة التعلق بالمشكلة الأساسية، وربما كان تعلقها بها سلبيٌ يزيد من الإشكالات ولا ينقصها!

المأخذ الثاني: وضع معالجات لبعض إشكالات الموائل منبثقة عن قيم ثقافية تخالف القيم الثقافية العادلة السائدة في المدن الأصلية الملحقة بها تلك الموائل! وهذا من شأنه أن يعقد إشكالات الموائل لا أن يعالجها.

من أهم النماذج على المأخذ الأول ما يأتي:

أولا: فيما يتعلق بالخدمات الأساسية المأمونة والصحية، حشدت بعض التوصيات التي لا تتعلق بخصوص المستوطنات، من نحو:

o الإصلاحات التشريعية والإدارية لمنح النساء فرصا كاملة ومساوية للرجال في الحصول على الموارد الاقتصادية بما فيها الأرض والإرث والقروض الائتمانية وغيرها.

والحال أن المدن الملحقة بها المستوطنات قد لا تكون أنظمتها المستقرة مبنية على ذلك وإلاّ كان ذكر هذا عبثاً، وإذا قلنا ليست مبنية على ذلك فلا يلزم أن تكون مبنية على نظام جائر يظلم المرأة! فربما كانت بعضها مبنية على تشريعات تفي بغرض هذه التوصية وزيادة، كالتشريعات الإسلامية، وأياً ما كان فإذا فرضنا مدناً مستقرة وآمنة بغير هذه التوصية، فإن المستوطنات يمكن أن تكون كذلك مستقرة وآمنة بغير هذه التوصية، وإذا كان الإشكال عميقاً ضارباً في أعماق المدن نفسها فعلاجه خارج مجال المؤتمرات المتعلقة بخصوص المستوطنات.

ثانياً: فيما يتعلق بالتنمية الاجتماعية اللازمة لاستدامة المستوطنات، نجد التركيز على أمور منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • القضاء على الفقر والفقر المؤنث بتمكين النساء اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
  • الديمقراطية (الشكل الوحيد للحكم الرشيد وفقاً للرؤية الأممية).
  • المشاركة الثقافية لكل أفراد المجتمع دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو المذهب أو غير ذلك.
  • ضمان المساواة بين الجنسين عن طريق التشريعات والسياسات والبرامج.

وهذه أمور تتعلق بتشريعات تعم الدولة لا تخص المستوطنات، وهي في الحقيقة ضعيفة الصلة بخصوص مشاكل المستوطنات والتنمية المستدامة فيها، بل قد تكون ضعيفة الصلة بوجود مشكلة أصلاً! على سبيل المثال نحن نعرف دولاً ديمقراطية في أمريكا اللاتينية وفي شبه القارة الهندية بل وفي أفريقيا هي من حيث التقييم الدولي من جهة الديمقراطية وتمكين المرأة وقضايا المساواة والحريات مقدمة على دول الشرق الأوسط كلها، لكننا نجد كثيراً من سكانها يؤثرون الاغتراب من مدن بل عواصم في تلك الدول للعيش في مستوطنات وموائل بالخليج العربي مثلاً، هي في الواقع أكثر استقراراً اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً من دول في قلب أوربا!

وأياً ما كان فنحن نرى أنه من غير الواقعي في بلداننا مثلاً أن نحاول حل مشكلة اجتماعية أو اقتصادية في مستوطنة صغيرة بالعمل على إقامة نظام ديمقراطي في دولة ملكية مستقرة! ومن يفعل ذلك فهو كمن يحاول طرد ذبابة حطت في طاولة من زجاج بمطرقة ضخمة من حديد!

ثالثاً: لاستدامة المستوطنات لابد من حماية البيئة وفي صدد ذلك قرر:

  • مكافحة التلوث ومنع أسبابه ومنها زيادة السكان.

وهذه كما ترى مشكلة أعمق من مشكلة استدامة المستوطنات، ومعالجتها المقترحة هنا فطيرة! فالدول تريد مدنا صناعية ترى أنه لابد لها منها هي الملوث الأكبر، فإذا أقامتها لتحقيق الرفاه بعد سد حاجتها وكفالة النمو الاقتصادي والتنمية والتمويل اللازم اقترب منها الناس ووفدوا إليها، فتتكون المستوطنات، نعم التلوث الصناعي يضر بهم وهو مشكلة حقاً! لكن كيف السبيل إلى التقليل منه؟ هل هو منع أسبابه التي هي المصانع! أو الحد من ازدياد السكان بإبادة النطف وإجهاض الأجنة وتقليل الأسر وأعداد الناس للذين إنما أنشأت المصانع بغرض جلب الرفاه لهم! هذا ما يمكن أن يسمى بالرفاه المبيد للبشر! وأقل ما يوصف به طالبه هو الأنانية والجشع.

وزيادة على ذلك فإن الحل المقترح ههنا يدور في حلقة مفرغة: فمنع التلوث يعود بمنع كثير من المصانع وهو منع لوفود الناس وإقامة المستوطنات، ومنع زيادة السكان منع للحاجة إلى إنشاء مستوطنات مستدامة أو مؤقتة!

أما أهم النماذج على المأخذ الثاني فما يأتي:

أولا: توفير المأوى للجميع لا يقتضي في دولنا الإسلامية:

  • الإصلاحات التشريعية والإدارية لمنح النساء فرصا كاملة ومساوية للرجال في الحصول على الموارد الاقتصادية بما فيها الأرض والإرث والقروض الائتمانية وغيرها.

وذلك لأن الشريعة الإسلامية تفرض السكنى للنساء حقاً واجباً دون بذل من المرأة؛ أُمّاً، وبنتاً، وأختا، وزوجة، وإن كانت مطلقة رجعية: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) الآية، وأي تقصير من جانب الرجل في واجب الإسكان يسوغ للمرأة مقاضاته، وفي حال انبتات امرأة من صلاة القرابة فقد كفل لها التشريع حقاً من بيت المال (موارد الدولة).

وكذلك فرض المساواة في الموارد الاقتصادية لا يناسب بيئة تفرض للمرأة حقوقا اقتصادية واجبة، توفر لها الضروريات والحاجيات وربما كثيراً من الأمور التكميلية، لكنه يناسب بيئة فرضت على المرأة الخروج والكد من أجل لقمة عيشها وأمورها الضرورية، غير عابئة بما ينجم عن ذلك من تضييع للأسرة، وعبث باستقرارها، وفشو لمشاكل اجتماعية وأخلاقية أخرى.

ثانياً: كذلك تحقيق استدامة المستوطنات عبر التنمية الاجتماعية بالقضاء على الفقر والفقر المؤنث لا يكون في مجتمعاتنا الإسلامية:

  • بتمكين النساء اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

لأنها لا تعرف الفقر المؤنث إلا بافتقار العائل المسؤول من النفقة، أو انعدامه مع عجز الدولة أو تقصيرها، والقضاء على الفقر سبله وتدابيره الواجبة على الدولة كثيرة، ثم إن القضاء على الفقر قضية اقتصادية مقحم فيها التمكين السياسي والاجتماعي وهما أجنبيان عنها لا تلازم بينها! في مجتمعنا على سبيل المثال نسبة ودائع النساء في البنوك بلغت 60 مليار ريال، بما يعادل 75% من نسبة المدخرات في البنوك السعودية! وهذا يدل على أن المعالجة الشرعية في السعودية لمشكلة المرأة الاقتصادية خير لها من معالجة عامة الغربيين! بل إن بعض التدابير الاجتماعية والسياسية التي اتخذت في الغرب في نراها قد جلبت الشرّ لها لأنها شغلتها عن وظيفتها الأساسية، وألزمتها بتبعات لا تناسبها، فأضرت بالأسرة ومن ثم المجتمع، فمن الحكمة ألا نسلكها إذا أردنا استدامة المستوطنات عبر تنمية اجتماعية رشيدة!

ثالثاً: استدامة المستوطنات عبر التنمية الاجتماعية اقترح لها تعزيز الديمقراطية، والديمقراطية نموذج من أشكال الحكم يخالف النظام الإسلامي في أمور ويتفق معه في أخرى، فهو من حيث الآليات الانتخابية قد يكون مفيداً، بل مع بعض الضوابط ينسجم النظام الانتخابي مع نظام الشورى الإسلامي، لكن الديمقراطية من حيث الفلسفة أكثر من مجرد آليات، وفلسفتها تخالف الحكم الشرعي ولاسيما من جهتين:

  • إطلاق الحريات الخاصة وإن تجاوزت النظام العام الإسلامي،
  • وإقحام رأي الأكثرية في التشاريع وإن خالفت التعاليم الشرعية،

فمن هذه الحيثية تعتبر الديمقراطية نظاماً غير متوافق مع الشريعة، والمسلمون يؤمنون بأن ما خالف الشريعة من الأحكام والتشريعات والنظم باطل مخالف للمصلحة، لأن الناس لن يكونوا أعلم بما يصلح جملتهم من خالقهم، ولا تعوز فقهاؤهم الحجة في المقارنة التفصيلة بين تشريع الإسلام وغيره من التشريعات.

رابعاً: ثمة أمور مجملة يمكن تفسيرها تفسيراً تقبله التعاليم الإسلامية فتُسَيَّر برامج الموائل وفقه، لكن توجد أيضاً أمور مجملة تدخل في ما يراد بها أمور لا تقرها التعاليم الإسلامية، نعلم دخولها فلابد من التحفظ عليها، من ذلك مما ذكر في استدامة المستوطنات عبر التنمية الاجتماعية من أمور يقع عند تفصيلها الاختلاف بين التعاليم الإسلامية وبين بعض البرامج الأممية، فمن ذلك:

  • ما يذكر في المشاركة الثقافية لكل أفراد المجتمع دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو المذهب أو غير ذلك.

وهذا إجمال؛ فما ماهية تلك المشاركة الثقافية؟ كثير منها لا إشكال فيه، ولكن بعضها محظور ولا سيما تلك التي تتعلق بمذاهب وأديان مخالفة لدين المسلمين الذي يعتنقه عامة السكان في البلدان الإسلامية، ونحن نرى أن نشر الثقافة الدينية المخالفة لدين المسلمين سبباً من أسباب الاضطرابات، فمعارضة الحق والطعن فيه لا يلام رفضه، ومن الوارد أن تصدر تصرفات عدوانية ظالمة من قبل بعض الأكثرية لمنع هذا العدوان إذا لم تحسمه النظم الشرعية في البلاد، بمنع إعلانه وجعله منحصراً في المجتمعات الخاصة بتلك الأقليات.

كذلك المشاركة الثقافية للجنسين إذا فُصِّل المراد بها فقد يكون المناسب أن تدخلها قيود تتعلق بالرجال أو النساء أو بهما على حد سواء.

أيضاً مما اشتمل على كلام مجمل في هذا الصدد:

  • حقوق الإنسان الأساسية والمنصوص عليها في اتفاقيات حقوق الإنسان العشر وفي الشرعة الدولية ومنها المساواة بين جميع البشر في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، وضمان الكرامة والحرية الشخصية والدينية، ومراعاة حقوق الأقليات الدينية أو العرقية أو السياسية أو أصحاب الميول الجنسية غير السوية والفئات الهشة من العجزة والمعاقين والأطفال.

فللمسلمين تحفظات على بعض ما يعد حقوقاً هنا، بل المسلم لا يرى أن لأحد حقاً في إعلان ما يخالف شرع الله وتعاليم دينه، ثم هو حر فيما سوى ذلك، أما مخالفة الشريعة فغاية ما يمكن الفرد أن يستتر بذلك فلا يعلنه، ومتى أعلن ذلك فهو يخالف شرع الحكيم الخبير ونظامه الذي أمر به لمصالح يجب على المجتمعات المسلمة أن تحفظها وتحميها.. فلا حق مثلاً لأصحاب الميول الجنسية المنحرفة في إعلان ميولهم والمجاهرة بها والدعوة إليها، ونحن نرى أن في ذلك تهديداً للأسر التي أنتجت المجتمعات البشرية، ومنها هؤلاء الشذاذ، ومتى مثَّل هؤلاء خللاً أو خطراً على النظام الذي أنتجهم فالواجب كفهم.. ولا نرى أن سلبهم حق الإعلان بالشذوذ سلباً لحقوقهم الأصلية الأخرى.

أيضاً مما اشتمل على كلام مجمل في هذا الصدد:

  • مراعاة حاجات الشباب عند تصميم المدن، ومراعاة حقوقهم في الخصوصية الجنسية وتوفير خدمات الجنس الآمن والمشورة الجنسية.

ويشمل ذلك العلاقات خارج نطاق الأسرة، ومنها الزنا الذي يعد جريمة في التشريع الإسلامي، لما يسببه من اختلاط في الأنساب، وإطلاق للشهوات بدون تحمل تبعات ذلك، وأحياناً تلقى التبعات على آخرين، بإنجاب مواليد خارج إطار الزوجية تتحمل الوالدات أو أسرهن في الغالب أعباءهم، وفيه أيضاً إدخال دخلاء على غير أهلهم الذين ألزمهم التشريع بتكاليف تجاههم، فالأسر والعصبات والعاقلة عليهم مسؤوليات تجاه المنتسبين إليهم في التشريع الإسلامي. وفيه أيضاً ما يفاقم إشكالية المجتمعات من حيث ازدياد أعداد اللقطاء أو المشردين، ومن حيث ما تسببه جريمة الإجهاض من مخاطر صحية وإن توفرت الرعاية، مع ما فيها من قتل للأنفس، وتعد على ما في الأرحام.

أيضاً مما اشتمل على كلام مجمل:

  • القضاء على العنف ضد المرأة.

فهذا يدخل فيه العنف البدني غير المشروع، ويدخل فيه ما لا تعده الشريعة عنفاً كتزويج القاصرات، نعم قد يكون جرما إذا كان تزويجاً لمصلحة الولي، لكنه ليس بجرم في كل حال، هذا بالإضافة إلى الاختلاف في تعريف القاصرة ومن تكون! وهذا تختلف فيه التشريعات الأرضية كثيراً بل ربما تباينت فيه التشريعات الولائية في الدولة الواحدة!

وكذلك ما تعده بعض النظم كبتا جنسيا قد يكون في النظام الشرعي ترشيداً ومنعاً من إطلاق النزوات في غير مواضعها المشروعة.

وكذلك ما يعدونه تشويها للأعضاء التناسلية بالختان فهذا في الشريعة أنواع منه المضر المحرم، ومنه الجائز الذي لا نعترف بضرره بل نرى عكس ذلك هو الصحيح.

ومما يندرج في هذا أيضاً مساوتها بالرجل ومنع أي شكل من أشكال التمييز والشريعة ترى ذلك على نوعين: فما كان هو مقتضى العدل فتمنع التمييز فيه، وما كان العدل في التمييز فيه من الحقوق والواجبات فالشريعة تدعو إلى التمييز فيه، بحسب الملكات والقدرات، بل ترى أن من الظلم أن تحَمَّل المرأة ما يمكن أن يحمله الرجل حسياً ومعنوياً.

أيضاً مما اشتمل على كلام مجمل في هذا الصدد:

  • ما جاء في حماية ضحايا العنف الأسري من النساء والأطفال وتوفير دور الإيواء لهم.

فليس كل ما تعده النظم غير الإسلامية عنفاً هو عنف في الحكم الإسلامي، فواجب التربية والتعليم –على سبيل المثال- حتى يؤدى بصورته الأكمل فإنه يتطلب من التأديب ما تعده بعض النظم عنفاً، وهذا خلاف الشرع وخلاف العقل، فهل الذي يكرس العنف هو الذي يؤدب ابناً له ولو بالضرب المعتدل حتى لا ينشأ معتدياً على الناس من حوله، أو من يرى أن زجره بالضرب اليسير عنفاً!

خامساً: مما جاء في صدد استدامة المستوطنات بالتنمية الاجتماعية:

  • ضمان المساواة بين الجنسين عن طريق التشريعات والسياسات والبرامج.

وهذا تدبير لا تقره الشريعة الإسلامية كما سبق التنبيه عليه مراراً، فالمساواة إنما تكون حسب التشريع بين المتساوين في القدرات والأعباء، والتمييز يكون حيث اختلفت القدرات والأعباء، فسَنُّ إجازةِ أمومة مدتها ستة أشهر مدفوعة الراتب، يمكن أن ينسجم مع مقررات الشريعة في حق المرأة، لكنه لايمكن أن ينسجم معها في حق الرجل، وكذلك الوظائف التي تقتضي خطراً  كالحربية ومكافحة كثير من الجرائم والكوارث إنما تقر الشريعة عمل المرأة ضمن نطاقات محدودة فيها، بقدر الحاجة، وترفض إقحامها فيها على قدم المساواة مع الرجال وذلك حماية لها، وللمجتمع من أن يتولى شؤونه غير الأكفأ.

سادساً: جاء في استدامة المستوطنات عبر حماية البيئة مكافحة التلوث وذلك بمنع أسبابه والشريعة لا تعد أن من أسبابه زيادة السكان، لكن بعض تصرفات السكان فهذه هي التي تكافح وترشد، أما زيادة السكان فيجب أن تكون حقاً يُحمى ويكفل، نرى أنه من غير الأخلاقي ولا العقلي أن يكون منطقنا: كثرة السكان تلوث البيئة! إذن اقتل السكان، أو اعدمهم! أو امنع وجودهم ابتداء!

سابعاً: المستوطنات تحتاج إلى تمويل لكن ما اقترح في صدد ذلك غير منسجم مع التشريع الإسلامي، فالشريعة لا تفرض ضرائب إلاّ في حدود ضيقة، لكنها توجب زكاة على المال بشروط من نحو أن يبلغ نصاباً معلوماً، وتحول عليه مدة معلومة، وتفتح باب التبرعات أو الإعانات وتُرَغِّب فيها، ثم هي توجب على الدولة بذلاً من مواردها تسد به حاجات الناس، وموارد الدولة في التشريع الإسلامي كثيرة، ومن الموارد المتاحة اليوم، حسب الشريعة الإسلامية الزكاة من أموال زكوية معلومة وأيضاً من عروض التجارات

، ومنها خمس الخارج من الأرض من المعادن كالذهب والفضة، وكذلك المستخرج من البحر من كاللؤلؤ والمرجان، ويدخل فيهما اليوم البترول والغاز، ومنها أيضاً خمس الركاز، ومن الموارد أيضاً العشور التي تؤخذ من غير المسلمين، ومنها أيضاً الأموال الضالة، والمواريث التي لا وارث لها، والغرامات الشرعية، ومنها أيضاً الهبات والتبرعات في جملة موارد أخرى.

وفي الختام لاشك أن في كثير من المستوطنات والأرياف والهجر والقرى والمدن وأطرفها في بلداننا الإسلامية إشكاليات، وخلل يحتاج إلى إصلاح، كما أن في الدول الأخرى مثلها، لكننا نملك تشريعاً قرآنياً، وحكماً إسلامياً كفيل بإصلاح ذلك، وما تفاقم الخلل إلاّ بعد إغفاله، وذلك لما بَعُد المسلمون عن تعاليم دينهم، والدين الإسلامي يوجب عليهم إصلاح الخلل، ويكفل للتدابير الإنسانية مجالاً رحباً في ذلك، لكنه يسددها ويكملها ويرشدها للتي هي أقوم، فحري بنا الرجوع إليه، والاستفادة في خططنا وبرامجنا من مقررات حملته العدول، فذلك سبيل صلاحنا وسعادتنا، والله الموفق، وهو يهدي السبيل.

والحمد لله رب العالمين.

                                                                                                                                 مركز باحثات لدراسات المرأة

اشترك في نشرتنا البريدية