القائمة الرئيسية


مقالات: التنمية

22 فبراير, 2016

  • شارك

أ.سيده محمود

كان مفهوم التنمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى نهاية عقد الثمانينات قاصراً على كمية ما حصل عليه الفرد من سلع وخدمات مادية، ولكن مع تدشين مفهوم التنمية البشرية سنة 1990م عندما تبناها برنامج الأمم المتحدة للإنماء، أصبح الإنسان هو صانع التنمية وهدفهـــا.

ومنذ بداية العقد العالمي للمرأة (75-1985م) وحتى مؤتمر بكين 1995م، بدأ الاهتمام العالمي بقضية تنمية المرأة وتمكينها من أداء أدوارها بفعالية مثل الرجل، جاء في بيكين [1]: “ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان علـى حـق كل فرد في أن يشترك فـي حكومـة بلده. وتمكين المرأة من أداء دورها ونيلها للاستقلال الذاتي، وتحسين مركزها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أمر ضروري لتحقيق الحكم والإدارة والتنمية المستدامة، على أساس الوضوح والمساءلة في جميع جوانب الحياة. وعلاقات القوة التي تحول دون أن تحيا المرأة حياة مشبعة تؤثر على عدة مستويات في المجتمع، من المستوى الشخصي للغاية إلى أعلى مستوى في الحياة العامة. لذلك فإن تحقيق الهدف المتمثل في اشتراك المرأة والرجل على قدم المساواة في صنع القرار من شأنه أن يؤدي إلى توازن يعكس بصورة أدق تكوين المجتمع”.

 فالتنمية بمفهومها الشامل تعني: توفير الآليات والأساليب والوسائل لكل فرد للحصول على فرص متساوية ومتكافئة، وهي هنا تركز على البعد الإنساني، وتشمل أربعة عناصر رئيسية:

الإنتاجية: توفير الظروف المناسبة للأفراد حتى يتمكنوا من رفع إنتاجيتهم.

العدالة الاجتماعية: تساوي الأفراد في الحصول على نفس الفرص.

الاستدامة: ضمان حصول الأفراد على تنمية مستدامة أو مستمرة.

التمكين: توفير الوســــــــائل الثقافية والتعليمية والمادية، حتى يتمكن الأفراد من المشاركة في اتخاذ القرار والتحكم في الموارد التي تعنيهم [2].

وعرفت الأمم المتحدة تنمية المجتمع بأنها: العمليات التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة؛ لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات، ولمساعدتها على الاندماج في المجتمع، والمساهمة في تقدمه بأقصى قدر مستطاع.

فليست التنمية مقتصرة على تغيير سطحي، بل هي عملية تحول تاريخي متعدد الأبعاد، يمس الهياكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كما يتناول الثقافة الوطنية، وهو مدفوع بقوى داخلية، وليس مجرد استجابة لرغبات القوى الخارجية، ويجري في إطار مؤسسات سياسية تحظى بالقبول العام وتسمح باستمرار التنمية، ومن أهداف التنمية مشاركة المرأة مع الرجل في جميع الميادين عمومًا، والميدان الاقتصادي خصوصًا، وعدم منح المرأة فرصًا للمشاركة يعد تمييزاً ضدها، ولو كان العمل لا يتناسب مع طبيعتها [3].

ومن خصائص التنمية التي تسعى الأمم المتحدة إلى تأطيرها، المشاركة الفاعلة للرجال والنساء معاً في بلورة وتطوير سياسات وبرامج تنموية؛ اعترافًا بأهمية الجنسين معًا في المساهمة في التنمية، والتأكيد على توزيع الموارد والفرص و الفوائد بالتساوي بين الجنسين [4]، جاء في إعلان القاهرة: “التنمية المستدامة تعني ضمناً في جملة أمور الاستدامة على الأمد الطويل في الإنتاج والاستهلاك فيما يتصل بجميع الأنشطة الاقتصادية، بما في ذلك الصناعة والطاقة والزراعة”[5]، فهل على المرأة دخول المصانع واستلام دفة القرارات، والعمل في الفلاحة لتكون عنصرا فاعلا في التنمية؟

وهذه القضية مصيدة أخرى لإخراج المرأة من وظيفتها الأساسية التي هي أساس كل تنمية مستدامة، وجميع ما ذكر سابقا في التمكين والأدوار النمطية يصب في ذات القالب؛ إذ أن عدم تمكين المرأة، واستدامة الأدوار النمطية أهم معوقات تنمية المرأة، جاء في إعلان القاهرة [6]: “إن تعزيز المساواة والإنصاف بين الجنسين، وتمكين المرأة، والقضاء على العنف ضد المرأة بجميع أشكاله، وكفالة قدرة المرأة على السيطرة على خصوبتها، أمور تمثل حجر الزاوية في البرامج المتصلة بالسكان والتنمية”.

وهذا المفهوم يختزل دور المرأة في التنمية من خلال عملها المأجور خارج المنزل، أما أعمالها الإنجابية والمنزلية فهي بطالة وغير منتجة، ويهمش المرأة التي لا يكون لها قصب السبق في مشاركة المرأة السياسية، بل يجعل المشاركة دون قيود مطلبا ملحا لتحقيق التنمية، وجميع هذه المطالب تنسف دور الأمومة كوظيفة اجتماعية، وبالتالي لا بد للعاملة من تأمين البدائل عن المرأة، كالحضانة ورياض الأطفال، ناهيك عن الاضطرار إلى تبادل الأدوار داخل الأسرة، ومحاربة الأدوار النمطية، حتى لا ينعكس عمل المرأة سلباً على علاقتها الأسرية الزوجية، مع فتح مجال العمل في جميع المهن، حتى الأعمال التي تعتبرها التقاليد حصرا للرجل.

ومن هنا لا بد أن نعي أن المنظور الإسلامي يهتم بالإنسان ذكراً وأنثى، ويعنى بتحقيق التنمية المتوازنة في جميع الجوانب؛ توازنا بين التنمية المادية، والروحية، والاجتماعية، وغيرها من الجوانب التي تحفظ للفرد الرفاه والاستقرار، وتحفظ للأسرة والمجتمع التنمية المتكاملة التي لا يطغى فيها جانب على الآخر.

وأما التنمية في المعنى الغربي فلابد من الوعي بها، والتعامل مع تطبيقاتها بوعي تام؛ حماية للأسرة العربية المسلمة، ومكتسباتها القيمية والاجتماعية، مع الاعتراف للمرأة بحقها في التنمية، والإقرار بأن مشاركتها في سوق العمل أمر  تتطلبه التنمية، ومراعاة الأولويات في ذلك، وتوسيع مشاركتها في سوق العمل المحلي، بما تقتضيه الحاجة الفعلية، ومن واقع أدوارها الاجتماعية الأسرية؛ وذلك من أجل المحافظة على الأسرة كمؤسسة اجتماعية هامة، تشكل المرأة الركيزة الأساسية لها، فهل من التنمية أن تخرج المرأة لخوض الألعاب العالمية الرياضية، وخوض غمار السياسة؟

 جاء في السكان والتنمية: “كفالة تعزيز مساهمات المرأة في التنمية المستدامة، عن طريق مشاركتها الكاملة في عمليات تقرير السياسات، وصنع القرارات في جميع المراحل، والاشتراط في جميع جوانب الإنتاج، والعمالة، والأنشطة المدرة للدخل، والتعليم، والصحة، والعلم، والتكنولوجيا، والألعاب الرياضية، والثقافة، والأنشطة المتصلة بالسكان، ومجالات أخرى”[7].

ولأن قضايا الأمم المتحدة تخرج من رحم واحدة، فلا غرو أن تستند التنمية المستدامة على تنفيذ القضايا الأخرى، جاء في وثيقة السكان والتنمية: “ويتطلب تنفيذ السياسات الفعالة في سياق التنمية المستدامة بما في ذلك برامج الصحة الإنجابية، وتنظيم الأسرة، أشكالاً جديدة من المشاركة من جانب مختلف الأطراف الفاعلة، على جميع مستويات عملية تقرير السياسات”[8].


[1] إعلان ومنهاج بيكين، الفصل الرابع: الأهداف والإجراءات الاستراتيجية، زاي – المرأة في مواقع السلطة وصنع القرار، البند: 181.

[2] يراجع: http://www.ahewar.org/  الحوار المتمدن، مقالة: المرأة والتنمية، سميرة الجبوري، 23/9/2012.

[3] يراجع: المنتدى العربي لإدارة الموارد البشرية http://www.hrdiscussion.com/hr30867.html.

[4] يراجع: ورقة عمل لمؤسسة انيرا، بعنوان: تمكين المرأة (ص3).

[5] الفصل الثالث: أوجه الترابط بين السكان والنمو الاقتصادي المطرد والتنمية المستدامة، ألف – إدماج الاستراتيجيات السكانية والإنمائية، أساس العمل، الفقرة 3-3.

[6] وثيقة السكان والتنمية، الفصل الثاني: المبادئ، المبدأ الرابع.

[7] وثيقة السكان والتنمية، الفصل الرابع المساواة والإنصاف وتمكين المرأة، ألف/ تمكين المرأة ومركزها، البند: الأهداف، الفقرة: 4-3 / (ب).

[8] وثيقة السكان والتنمية، الفصل الثالث: أوجه الترابط بين السكان والنمو الاقتصادي المطرد والتنمية المستدامة، جيم- السكان والتنمية، أساس العمل: فقرة 3-27.

اشترك في نشرتنا البريدية