القائمة الرئيسية


ملخص كتاب رؤية الرحالة الأوروبيين لأوضاع الحرم السلطاني المغولي في الهند.

31 يناير, 2023

  • شارك

 

 

 

 

 

 

تعريفٌ مختصر عن المؤلف والكتاب

عنوانُ الكتاب: رؤية الرحالة الأوروبيين لأوضاع الحرم السلطاني المغولي في الهند إبّان القرن الحادي عشر الهجري “السابع عشر ميلادي”، للمؤلف: د. صاحب عالم الأعظمي الندوي، متخصص في الوثائق البريطانية المتعلقة بالعلاقات العربية الهندية، ويعمل في مجال تاريخ الهند الإسلامي.

نوع الكتاب: دراسة مقارنة بين ما سجله الأوروبيون المستشرقون عن “الحرم السلطاني المغولي”، وبين ما كتبه المؤرخون المحليون. الكتاب مؤلَّف من 196 صفحة من إصدار شركة أوقاف – مركز باحثات.

 

 

استعراض موضوعات الكتاب

يتكوّن الكتاب من ثلاثة أقسام، القسم الأول عَرَضَ فيه الكاتب أوصافَ الحرمِ السلطاني كما جاء في كتب الرحالة الأوروبيين، واحتوى هذا القسم على الموضوعات التي تداولَها الرحالةُ في كُتُبهم، عن حياة الحرم السلطاني، من وصف للقصور، وعن حياتهنَّ العامة، ونفقاتهنَّ، وأحوال النساء في القصر، ووصف الحياة الخاصة للملكات، والأميرات، وعن أحوال النساء في الهند في الطبقتين العليا والدنيا، وتقارير الرحالة الأطباء عن الحرم السلطاني، ثم بيان موقفهم من الحجاب، ودور الحرم السلطاني في الحياة السياسية، والإدارية، والعسكرية.

تناول القسم الثاني حقيقةَ الحرم السلطاني في ضوء المصادر الهندية، وأدوارَ نساء الحرم السلطاني في كل من الحياة السياسية، والإدارية، والاجتماعية، وتسوية الخلافات، وحل النزاعات، وحياتهن الاقتصادية، والتجارية، ووضع المرأة الهندية الاجتماعي والأسري، أما القسم الثالث: فقد تفرد بذكر تراجم للسيدات المغوليات، وكيفية تربية السلاطين المغول لبناتهنَّ، وتعلميهنَّ، وتهذبيهن، وتراجم وجيزة لبعض السيدات المغوليات في الحرم السلطاني، وخُتِم الكتابُ بأهم النتائج، وبقائمةِ المصادر والمراجع.

 

 

التمهيد

في هذا الكتاب يأخذنا المؤلف في رحلة إلى القرن الحادي عشر هجري؛ ليصوِّبَ، ويُصححَ، ويُدللَ على زيفِ المستشرقين، وتشويههم لصورة النساء الهنديات عامةً، والحرم السلطاني خاصة، لاسيما وقد أخذت تلك الكتب التي مُلِئَتْ بالأكاذيب كمراجعَ علميةٍ يُستَنَدُ إليها في تلك الفترة الزمنية.

يتحدثُ الكتاب عن الرحالة الأوروبيين، وما زعموا رؤيتَه عن حرم السلطان المغولي، والردّ على زعمهم لأسباب منها: أن نساء الحرم السلطاني عُرفن بحشمتهنَّ، وتسترهنَّ الكامل عن الرجال الأجانب، فلا يدخل عليهن إلا طبيبٌ، بالإضافة إلى إن كثيراً مما يذكره المستشرقون يناقِضُ معلوماتٍ موثقةً عن النساء الهنديات عامة، وعن حرم السلطان خاصة، كتبها المؤرخون المغول، أو نساء عاشوا بينهنَّ، إذ إن كثيراً من أخبارهنَّ لا تعدو إلا أ، مع كثيرٍ من الحنق، والرغبة في تشويه صورة المرأة الهندية عامةً، وحرم السلطان خاصة، وكأنهنَّ لم يخلقن إلا إرضاءً لرغبات الرجال.

التعريف الاصطلاحي: تستخدم كلمةُ حرم أو حريم كعلم للنساء، فتُطلق على أماكن النساء، والبنات، والأمهات، والعاملات داخل بيوتهن، فتحجبهنَّ عن أعين الناس، وهو أيضاً المكان الذي لا يدخلُه الرجالُ الأجانب عن النساء، وقد اصطلح على تسمية المكان المخصص لعائلة السلطان المغولي في أماكن إدارة الدولة، الحرم السلطاني، أو الحرم، أو شبستان إقبال، أو شبستان خاص، بينما نجدُ أن المستشرقين في بعض السياقات يقصدون بكلمة (حرم) المكانَ الذي يُقيم فيه السلاطينُ، والأمراء علاقاتٍ مع أكثر من واحدةٍ من النساء في وقتٍ واحد.

 

 

القسم الأول: أوصاف الحرم السلطاني المذكورة في كتب الرحلات الأوربية.

المحور الأول: الوصف العام للقصور، والحرم السلطاني (في ضوء المصادر الهندية والأوروبية)

اهتم المغول منذ تأسيس الدولة المغولية على يد السلطان “بابر” بالهندسة المعمارية في بناء القصور والحدائق، والقلاع والحصون، وحينما تسلَّم السلطان “أكبر” الحُكمَ، جعل أكرا عاصمة للدولة، وبنى عدداً كبيراً من المنازل للنساء في القصر السلطاني؛ لتستوعب أكثر من 5000 امرأة، إذ وصل عدد المنازل إلى 500 منزل، وقد وَصَفَ قصورَ الحريم من المؤرخُ الرسميُ في عصر السلطان شاهجهان بقوله: إن قصور الحريم احتوت على أجنحة تتوافقُ، وتتلاءَمُ مع أذواقهن، ومشاعرهن، وأن كلَّ عنبر حوى حديقةً، وملاجئَ مظللةً بالأشجار([1]).

تكونت قلعة السلطان “أكبر” من ثلاثة أقسام؛ القسم الأول للعساكر، والخدم، وادّخار الأدوات، في حين خصص القسم الثاني للمصالح الإدارية، وبعض المنازل الخاصة للأمراء، والعسكريين، والثالث مُخصصٌ للقصر الملكي، والديوانينِ الخاص والعام، والمكتبة الملكية، وكان هناك محلٌّ خاص بالنساء اللواتي يُجْلَبْنَ من الدولة الخارجية.

المحور الثاني: وصف (الرحالة) العام لحياة الحرم السلطاني.

يصفُ الرحالة الأوروبيون المسلمينَ بأنهم مولعونَ بالنساء باعتبارهنَّ وسيلة الترفيه الوحيدة، وباعتبار أن التراث العربي قد ملء بالحكايات، والروايات التي تؤكد أن لذة الحياة تكْمُن في النساء، ولذلك كان الرحالة يصفون أن للسلطان من النساء ألفَ امرأةٍ أو ألفين، بل إن كلَّ من في القصر من النساء لأجل متع السلطان الشهوانية، مع إغفال أن للرجل زوجات وجواري، بالإضافة إلى بناته الأميرات، والأقارب من الأخوات، والخالات، والعمات، ومن يقوم بشؤونهم من الخادمات في عدد من النساء يصلُ إلى مئتين، وفئة من الحرس النسائي والأطفال الذين يقيمون مع النساء حتى بلوغ سن الرشد، والعبيد الذين يُقيمون في القصر.

المحور الثالث: نفقات مؤسسة الحرم السلطاني (حسب تقارير الرحالة).

يصف الرحالة بأن السلطان ينفقُ مبالغًا طائلة بسبب استهلاك نسائه الملابسَ الفاخرةَ من الحرير، والديباج، والذهب، والمجوهرات المصنوعة من الأحجار الكريمة، وعطور المسك، والعنبر، وأن هناك معرضاً نسائياً يُقامُ في الحرم السلطاني بمناسبة عيد نوروز يتم فيه استدعاء نساء النبلاء، والوزراء، ولا يمكن لأحد أن يرفض الدعوة، ومناسبة ذلك المعرض حسب أقوال الرحالة هي أن تشاهد نساءُ السلطان أصنافاً مختلفة من البضائع التي تأتي من جميع دول العالم، بينما اعتَبَر بعضُ الرحالة أن مثل ذلك المعرض الذي يُقام لمدة ثمانية أيام، إنما هو ذريعة استعراضِ النساء الجميلات أمام السلطان، والذي بلغَ فيه أعداد النساء ذات مرةٍ أكثر من ثلاثين ألف امرأة؛ ليختار منهن ما شاء.

المحور الرابع: أحوال النساء في الحرم السلطاني (حسب تصورات الرحالة).

يصف الرحالة نساء الحرم السلطاني بأنه لم يكن لهن شغلٌ إلا إرضاء السلطان، وهن كسالى فيما عدا ذلك، وأنهن لم يخضعن لمبادئ الدين الإسلامي، أما السلاطين فالمرأة هي شغلهم الشاغل، كما كانوا يتهمون السلطان “شاهجهان” بالانحراف الجنسي؛ كزنا المحارم، وأن الفقهاء أجازوا له ذلك، وكذلك اتهامه له بأن لديه علاقات غير شرعية بنساء الأمراء الآخرين، وأن هناك أبناءً نُسبوا لغير آبائهم، ثم يربطون هذه الأحداث ببعض الخلافات السياسية والعسكرية التي حصلت آنذاك؛ لتبدوَ افتراءاتهم حقيقية.

لقد طال تشويهُ الرحالةِ السلطانَ، ونساءَه، والدينَ الإسلامي، والفقهاء، وكل ذلك اعتماداً على خيالهم الماجن، وتصديق الإشاعات، والكثير من الزيف، بينما حفظ المؤرخون الجدولَ اليومي السلطان شاهجهان وغيره، وكيفية توزيعهم للوقت بدقة بين مهامهم الدينية، والسياسية، والإدارية، والأسرية، ولو كانوا منغمسين في الحياة الجنسية لما تمكنوا من القيام بأمور الدين، والدولة، والشعب.

المحور الخامس: حياة الملكات، والأميرات الخاصة في الحرم السلطاني (حسب تقارير الرحالة).

أثار الرحالة أكاذيب من نوع آخر، وهي أن الأميرات الملكيات لم يتزوجنَّ مع ميلهن لذلك؛ وذلك لأن السلاطين لم يجدوا لهن الأشخاصَ المناسبين، بالإضافة إلى خوفهم من طمع أزواج البنات في السلطة والحكم، ولذلك يقص الرحالةُ قصصاً عن علاقات الأميرات المحرمة مع عشاقهن، ومُحبيهن، وما يدلُ على عدم صحة أقوالهم ما نجده عند الرحالة الآخرين الذين وثّقوا زواجَ الأميرات بالأمراء، وبالشخصيات المغولية البارزة.

ومع ذلك فلا شك في أن هناك بعض الأميرات اللاتي كانت لهن مكانةً سياسية، وتجارية، أو ثقافية، وأدبية، مما جعلهن يفضلن تلك المكانة على الزواج باعتباره يهددُ مكانتَهنَّ في البلاط السلطاني، وكان ذلك باختيارهن، ولكن الرحالةَ قاموا بترويج مثل هذه الخرافات عن علاقات الأميرات المحرمة، مع أن المغول يولون اهتماماً بالروابط الاجتماعية والأسرية من خلال اهتمامهم بشؤون أفرادها، مما يستحيل معه وجود مثل هذا المجون، وضياع الحقوق في الحرم السلطاني.

المحور السادس: أحوال نساء الطبقة العليا، والدنيا حسب تقارير الرحالة.

وصف الرحالة نساء الأمراء، والوزراء، والنبلاء بالفسق والفجور، بل قَلَّ أن يكون فيهم نساءٌ عفيفات، وأنهن يمتلكن الجرأة في ارتكاب أمور فاضحة عند غياب أزواجهن، على الرغم من أنهن يخضعن لمراقبة شديدة لعدم ثقة أزواجهن، وتلك الأعمال المشينة في رأي بعض الرحالة تمارَس من قبل الطبقات الدنيا، وأنهن بفعلهن هذا يَقُدْنَ الشبان للفسق.

لا شك أن مثل تلك التهم طريقةٌ يروِّجُ بها المستشرقون لكُتبهم التي تأخذ أسلوب أدب الرحلات، والذي يعتمد على عامل التشويق، وتعبر الباحثة “كيت” بأن استخدم مثل هذا الأسلوب “يرفَعُ من شأنهم عند جمهور بُلدانهم، حيث إنها تُشبع رغبة الفضول عندهم لما تتضمن من قصص مثيرة موثقة”([2])، في حين يصعب تصديق مثل هذه المعلومات في ظل الحياة العامة في ذلك الوقت، التي تمتاز فيه المرأةُ بسترها، وبُعدها عن الرجال سواء في الطبقات الدنيا أو العليا.

المحور السابع: تقارير الرحالة الأطباء عن الحرم السلطاني.

كان بعض الرحالة المستشرقين حسب وصفهم يتظاهرون بأنهم أطباء، أو يكونون فعلاً أطباء، فينتهزون الفرصة للدخول إلى الحرم السلطاني. فقد وصفَ أحدُهم ذلك بأنه عند دخوله، وخروجه يُغطى بقطعةٍ من القماش، ثم يبين تلهف النساء عليه، ومحاولة لمسه؛ لأنهن لا يسعهن مقابلة الرجال، بل إن بعضهن كن يتظاهرن بالمرض لأجل ذلك.

في حين نجد قولاً يناقض ما سبق من أحد الرحالة الذي يصف دخولَه بأنهم كانوا يغطونه، وإذا وصلوا للمريضة يكون في حضرة العبيد، والسيدات من الحرس، وإن كان هناك كشفٌ فإنه يكون في الجزء المراد علاجُه، وإن كان لا بد من اللمس تُلَفُّ يديه بقطعة من القطن، ثم يخرج من القصر بالطريقة نفسها التي دخلها مُغطًى بالقماش، في حين يروي أحد الرحالة أنه سقط القماش من عينيه فلم يرَ إلا نساءً مشغولاتٍ بالأعمال المنزلية من التطريز، وصنع الحلوى، وكُنَّ في حالة محتشمة، ولم يَكُنَّ حبيسي المكان، ويعبِّرُ رحالةٌ آخرُ بأسفٍ عن عدم إمكانه وصفَ الحرم السلطاني باعتباره عصيٌّ على الدخول من غير السلطان أو الخدم، والذي كان يحظى بحراسة مشددة بقوله: “من هو الرحالة المحظوظ الذي يمكن له التحدثُ عن ذلك باعتبارِه شاهدَ عيان؟”([3]).

المحور الثامن: (موقف الرحالة) الأوروبيين من الحجاب.

كان الحجابُ حاجزاً أمام معرفةِ الرحالة لخصائص النساء الأسرية والاجتماعية، فضلاً عن معرفة أحوال الحرم السلطاني، ما دفعهم إلى الكذب والوهم، ولذلك لم يتمكن من وصف النساء المسلمات خلافاً للهندوسيات، من الطبقة المتوسطة اللاتي يغطين رؤوسهن بالخمار فقط، أما الطبقات الدنيا لم يكن يرتدين الحجاب إطلاقاً، وعلل بعض الرحالة أن النساء يلتزمن بالحجاب لشدة غيرة الرجال، وأنهن كنَّ يقُمْن بذلك مُجبراتٍ مقهورات، في حين لم يتكبدوا عناء البحث عن سبب لبسِ المرأة المسلمة للحجاب عوضاً عن الاتهام.

ولقد وصف الرحالة كيفيةَ خروج نساء الحرم السلطاني في رحلاتهن القصيرة والطويلة، حيث كُنَّ يُحملن في محفة مغطاة بالصوف المتين، أو المخمل لتغطيَ من بداخلها، ويحملها الرجال، كما أن هناك بعض المحفات الرحبة التي يوضع عليها هودج، وتحملها الفيلة، ثم يرافقهنَّ الخدم، والنساء، وأحد النبلاء، “وكانت حاشية الملكات، والأميرات المغوليات كبيرة، ما يجعلُ الاقتراب منهن أمراً في غاية الصعوبة”([4]).

والحال لا يختلف كثيراً عند العوام من المسلمات في حشمتهن، إذ يصفُ بعض الرحالة حادثة احتراق أحد البيوت بأن النساءَ لم يَخرجن منها إلا بعد ارتداء الحجاب، معبراً عن ذلك بأنهن يُفضلنَّ حرق أنفسهن على أن يخرجن غير محتشمات، كما عبّر آخرُ بأن النساءَ لا يخرجن إلا بالحجاب والنقاب.

المحور التاسع: دور الحرم السلطاني في الحياة السياسية والإدارية والعسكرية (حسب تقارير الرحالة)

يصفُ الرحالة حياة حرم السلطان بالسجنِ الذي ليس لهنَّ فيه إلا محاولةَ إرضاء السلطان، والتقرّبَ إليه، ومن ثم يناقضون أنفسَهم بذكر مشاركة المرأة السياسية، وما حظيت به من سلطة، إذا كان يحضر إلى مكاتبهن المغطاة بالستائر أعيانُ الدولة ويأخذون منهن الأوامر النواهي، ومع ذلك لم يخلُ حديث الرحالة من المبالغات كقولهم إن المساواة بين الجنسين تنقلب في الأمور السياسية، وأن النساء هنّ من يعطين الرجال الامتيازات الملكية.

 

 

القسم الثاني: حقيقة الحرم السلطاني في ضوء المصادر الهندية

يتم سرد هذه الوقائع من مذكرات الأميرة “كلبدن بيكم”، وهي بنت للسلطان بابر، وأختُ السلطان همايون، وعمة السلطان أكبر، وجدة السلطان جاهنكير، وهي امرأة تتمتع بالمكانة العالية في الحرم السلطاني، ولذلك فنحن نسرد وقائع من داخل الحرم السلطاني، وليس كمصادر الرحالة غير الموثوقة، وقد جاءت هذه المذكرة لتعبِّرَ عن حياتهم، وتُبَيِّن بذلك افتراءاتِ الرحالة.

المحور الأول: دور النساء المغوليات في الحياة السياسية والإدارية في ضوء المصادر الهندية.

ورث المغول من التقاليد الجنكيزية احترام المرأة، وأعطاها الحق في المساهمة السياسية والإدارية، وكانت النساء في المغول مثالاً لذلك، ومن أكثر الشخصيات النسائية التي كان لها دورٌ سياسيٌ مؤثرٌ في عصر الدولة المغولية، هي الملكة نورجهان، فقد كانت خبيرة في اتخاذ القرارات المناسبة في الأمور السياسية والإدارية، ما جعل زوجها الملك جهانكير يعينها مستشارة له.

كما كانت الملكة “ممتاز محل” مرجعاً لزوجها الملك شاهجهان في جميع أموره الخاصة والعامة، وكانت الوثائق الرسمية حال الانتهاء من إعدادها تُرسل إلى الملكة “ممتاز محل” لتقوم بتوقيعها، ولذلك كانت على دراية بالشؤون السياسية كافة، كما كان لها دورٌ في بعض القضايا إما بالتخفيف عن أصحابها، أو بالتشديد كما فعلت مع البرتغاليين([5]).

المحور الثاني: دور النساء المغوليات في تسوية الخلافات وحل النزاعات في ضوء المصادر الهندية.

لقد كان للنساء في الحرم السلطاني دورٌ في إصلاح الخلافات، والنزاعات القائمة في البلاط السلطاني بين الأمراء، والقيام بدورهن في النصح والإرشاد، ونظيرَ أدوارهنّ السياسية والإدارية “سمَح السلاطين المغول بسك العملة والنقود بأسمائهن”([6]).

المحور الثالث: دور النساء المغوليات في الحياة الاقتصادية، والتجارية في ضوء المصادر الهندية.

عرفت المرأة المغولية بخصوصيتها المالية، واستقلال أموالها عن أموال زوجها، وكذلك النساء في الحرم السلطاني، وكانت لهنّ مخصصات مالية يحصلن عليها، منها مبالغ نقدية، ومنها ما يكون أراضيَ وعقارات، إلى جانب الهدايا التي يحصلن عليها من السلطان في المناسبات الكبرى، كما أن بعض الأميرات والملكات يحصلن على عطايا سنوية كبيرة جداً؛ ومنهن الأميرة “جهان آرا بيكم” التي وصلت مخصصاتها المالية السنوية أكثر من مليون وسبعمائة ألف روبية.

ولقد كان للمغول اهتمامٌ بالتجارة، ولا سيما ميناء الهند الذي كان ميناءً عالمياً، يتوافد إليه العالم من جميع الأقطار، كما كان للمرأة المغولية حظٌ في المشاركة في تلك التجمعات المالية والتجارية، ولا سيما نساء الحرم السلطاني اللاتي كان لهن دورٌ بارزٌ في التجارة؛ لما يملكنه من مخصصات مالية كبيرة جداً، بل كانَ بعضهن يمتلك سفناً تجارية، ومن تلك السفن ما يُستخدم في الأعمال الخيرية، فينقلون فيها الحجاج إلى الحرمين الشريفين مجاناً كل عام، وكانت بعض تلك السفن تُحمَّلُ أيضاً بالبضائع لتباع في الجزيرة العربية، ومن التيسير لتجارتهن كُنَّ يَحظين بحماية السلطان، فأيُّ عرقلةٍ في نشاطهنَّ تُعرِّضُ المتهمَ للعقوبة الشديدة.

المحور الرابع: وضع المرأة المغولية السياسي والاجتماعي في ضوء كتاب همايون نامه

وصف المرأة المغولية في كتب المستشرقين بأنها حُرمت حقوقَها السياسية والاجتماعية، وذلك بسبب الحجاب، بينما في الحقيقة كانت نساء الحرم المغولي يرتدين الحجاب، ويستقبلن الضيوف، ويذهبن مع السلطان في رحلات الصيد، وكنّ ماهراتٍ في الرياضات كلعبة الصولجان، ورمي الأسهم، وغيرهما من الفنون، كما أن المرأة قد شغلت منصب مستشارة، بل إن المرأة كانت قائدة الجيش في بعض المواقف، وكانَ من النساء من تمتازُ بالرأي السديد، إلا أنه لا يحتل أحد مكانة عالية جداً، كما هي مكانة الأم، فعند المغول السيدةُ الأولى هي أم السلطان، وليست الملكة.

المحور الخامس: وضع المرأة الهندية الاجتماعي والأسري في ضوء كتاب الملاحظات عن أحوال المسلمين في الهند.

لا شك في أن أعرَف الناس في وصفِ النساء هُنَّ النساءُ أنفسهن، ولا سيما في المجتمعات الإسلامية التي تغلب عليها التجمعات النسائية، فقد كتبت المصنفة الإنجليزية زوجة أحد الهنود التي انتقلت للعيش معه في الهند؛ لتحكي عن أوضاع المرأة داخل البيت، حيث كانت تمتع بالحرية في التنقل بين منازل الأسر لمعرفة العادات، والتقاليد في الأسر الإسلامية، فكانت تعيش مع المسلمات في عزلةٍ عن الرجال، وتقولُ إن الحجاب هو الذي يحافظُ على سمعة المرأة وسمعة أهل بيتها، وإن مجالس النساء تتسم بالبساطة، والارتياح، كل ذلك في مقابل وصف الأوروبيين لها بأنها مجتمعات قمعية، بينما هي مليئة بالأنس، والصداقة، والمحبة، والتعاطف.

والحال في الحرم السلطاني أن النساء يمارسن السياسية والإدارة من داخل الحرم السلطاني؛ فالنساء المغوليات يعشْنَ في مجتمعات أنثوية، يصعب على المستشرقين معرفة أحوالها فضلاً عن معرفة أخبار الحرم السلطاني، إذ لم يكونوا يظفرون منه إلا بالقصص الشعبية التي يتداولها الناس في الأسواق، وغيرها.

 

 

 

القسم الثالث: تراجم السيدات المغوليات في ضوء المصادر المعاصرة

إن وصف المرأة المغولية في كتب التراجم قليل إذا ما قورنت بالرجال، ويذكرُ الكاتب أن سبب غياب مآثر المرأة المغولية هو استحياء المؤرخين المغول من ذكرهن؛ لأن للمرأة قداسة ومكانة، وهم يروون أن تلك الأخبار من إنجازاتهن ومواقفهن، ليست متعلقة إلا بمحارمهن، أما الرجال الآخرون فليس لهم أن يطلعوا على ذلك، ومع ذلك فإنه قد دونت بعض الأخبار عن الحرم السلطاني التي سنروي شيئاً منها هنا.

المحور الأول: دور السلاطين المغول في تربية البنات وتعليمهن.

كان المغول يهتمون بتدريس المرأة، وتعليمها، وتثقيفها؛ لتربية الأطفال، وشغل المناصب السياسية، والإدارية، وكانت أهم العلوم التي يهتمون بتعليمها لبناتهم أصول الإسلام من القرآن، والسنة، واللغة العربية، وكذلك الفارسية، والكثير من العلوم الأخرى النظرية والتجريبية.

المحور الثاني: كيفية تعليم البنات وتهذيبهن في الحرم السلطاني.

كانت نساء الحرم المغولي يتلقين تعليمهن من سن الخامسة إلى سن السادسة، وكُنّ يبتدئنَ بقراءة القرآن مجوّداً، ثم حفظه عن ظهر قلب، وذلك شرطاً للانتقال للعلوم الأخرى.

المحور الثالث: تراجم وجيزة لبعض السيدات المغوليات في الحرم السلطاني.([7])

سنذكر بعض نساء الحرم السلطاني واهتماماتهن على سبيل المثال لا البسط، السيدة “بيكا بيكم”، أو كما يُلَقِّبُها زوجها السلطان همايون “حاجي بيكم”، وهي سيدةٌ ذاتُ علمٍ وثقافة، ولديها معرفة بصناعة الأدوية، ذهبت لأداء فريضة الحج، ولكنها مكثت هناك ثلاث سنوات، وعادت بثلاثمئة أسرة عربية أسكنتها في حي في دلهي، وأطلقت عليه حي العرب “عرب سرا”، وكانت مهتمة بتعليم البنات في الحرم السلطاني، كما أنها أسست مدرسة للبنات خارج الحرم السلطاني تولت فيه شؤونها المالية والإدارية، وكانت تقدم للطالبات الطعام من الحرم السلطاني صباحاً ومساءً، كما أنها أولت عنايتها بتعليم الأسر الفقيرة.

 

 

 

الخاتمة وأهم النتائج

يصعبُ تصديق ما كتبه الرحالة عن الحرم السلطاني في الدولة المغولية، وطبيعة حياتهم في ذلك العصر، فكثير من تصورات الرحالة عن الحرم السلطاني ناتجٌ عن حياتهم الأوروبية، وضعف التدين الذي ينتج عن التساهل، والإغراق في الرذائل، كما أن كثيراً من أخبارهم كانت نابعةً من السوق الذي يحفل بأنواع الإشاعات، وتم توظيف هذه المعلومات، لتشويه الإسلام والمسلمين كعادة المستشرقين، كما أن هناك أخباراً كتبها المستشرقون يكذبها مستشرقون آخرون، وكأنها منافسة، وعرض سينمائي مليء بالخيالات المشوهة لعرض مادة مثيرة عن الحرم السلطاني خاصة، ونساء الشرق عامة.

ولذلك شتان ما بين ما يعرض عن الحرم السلطاني من المصادر الأساسية الموثوقة وبين ما ظهر لنا من تلبيس، وتدليس المستشرقين المفعم بالتناقض، والكذب، وما يظهر لنا من سيرة النساء في الحرم السلطاني من قبل النساء أنفسهن اللاتي كنَّ في تلك الحجرات، وعرفنَ تلك الأسرار؛ وكشفن لنا حياتهن في الحرم السلطاني من تربيتهن، وأدبهن، بل وما حصلن عليه من التعليم الإسلامي أولاً، ومن ثم بقية العلوم، وكيف أن نساء الحرم السلطاني حظين بالتعليم الجيد الذي انعكس على حياتهن، وظهر في حكمتهن، ورجاحة عقولهن، وما تمتعن به من الترف في القصور الفارهة، والمخصصات المالية العالية التي كنّ يتمتعن بها تزيناً وتجملاً، بل وأكثر من ذلك قدرتهن على ممارسة الأعمال التجارية، وما كانت تحظى به المرأة في الحرم السلطاني من الاحترام، والتقدير، بل والأخذ بمشورتهن في الأمور السياسية، وخبرتهن في الأمور الإدارية داخل الحرم السلطاني وخارجه.

 

تلخيص: منال محمد آل فطيح

 

____________________________________

([1]) ينظر: ص32.

([2]) ص66.

([3]) ص74.

([4]) ص87.

([5]) للاستزادة ينظر: ص108

([6]) ص116

([7]) للاستزادة ينظر: ص163.