القائمة الرئيسية


مقالات: مصطلحات نسوية: (النظام الأمومي)

7 سبتمبر, 2017

  • شارك
بسام حسن المسلماني
مجتمعاتنا وسماتنا النفسية والاجتماعية وخصائصنا الأخلاقية.
لذلك كان من الضروري كشف هذه المصطلحات، وبيان حقيقتها ودلالتها المعرفية، وتأثيراتها على مداركنا وخصوصيتنا الثقافية. وفي هذا الإطار يأتي مصطلح “النظام الأمومي” وهو مصطلح يتم تداوله بشكل واسع في الكتابات النسوية.. فما هو المقصود بهذا المصطلح؟
النظام الأمومي:
عبارة عن شكل افتراضي من أشكال المجتمع، تكون فيه السلطة للمرأة، سواء في الفضاء الأسري أو الاجتماعي أو السياسي. فالأبناء فيه يُنسبون إلى الأمّ، وينحصر حقّ الإرث في فرع الأمّ في سلسلة النسب، هذا فضلاً عن أنّ الزوج يقطن مع عشيرة الأمّ. ووفقا لهذا التعريف فإن المرأة في هذا النظام تحتكر الأدوار المركزية القيادية السياسية والسلطة الأخلاقية.
وبحسب الدراسات التاريخية النسوية فإن هذا النظام يرتبط بما يزعمون أنها “المراحل البدائيّة للإنسانية التي قد يكون نمط الزواج الجماعي ساد فيها، حيث كان من العسير التعرّف على الأب، في حين كانت معرفة الأمّ متاحة بسهولة، ولهذا لم يكن من الممكن أن ينسب النسل إلا إلى جانب الأم، وكان الاعتراف فقط بالصلة الأنثوية”(1).
ويرون أن “الاقتصاد القبلي كله كان في أيدي النساء. فلم يكن الصيد – وهو حرفة الرجال – يوفر وسيلة للعيش يعول عليها. وفي البداية كانت النساء عموما هن اللاتي يقمن بالعمل الزراعي المنتج. وكانت رعاية الأطفال والبيت وتوفير الزاد والعمل في الحقل والطهي، الخ، من وظائف النساء. ومع ظهور تربية الماشية بدأ دور المرأة في الهبوط. وأصبح الرجل القوة المنتجة الرئيسية في المجتمع، ومالك وسائل الإنتاج والماشية، وبعد ذلك مالك العبيد، ومن ثم أصبح رأس الجماعة”(2).
الآلهة النسوية
وفي ضوء هذه النظام تم تفسير الظاهرة الدينيّة عند الشعوب الوثنية (الآلهة النسويّة والآلهة الذكوريّة…) حيث يزعمون أن أول آلهة عرفتها البشرية كانت أنثى، وأول ديانة اهتدى إليها الإنسان هي ديانة الإلهة الأم. ومن هذه النظم الاجتماعية الأولية ظل الطابع الأنثوي ظاهرا في كل التشكيلات الاجتماعية و الدينية و السياسية الأكثر تعقيدا، حتى تحولت الحضارة البشرية تدريجيا خلال العشرة آلاف سنة الأخيرة من نظام أنثوي خالص(Matriarchal Societies ) إلى نظام ذكوري خالص(Patriarchal Societies ).
تقول الكاتبة النسوية الأمريكية “مارلين فرينش” في كتابها «الحرب ضد المرأة» (1992): إن التجمعات السكنية البشرية الأولى «كانت تعبد آلهة مؤنثة، وتعيش في تناغم قائم على التساوي، وتنعم بالرخاء المادي» حيث كانت المرأة تتمتع بمكانة أعلى من مكانة الرجل، وباحترام أكثر منه ثم جاء «النظام الأبوي » ليحل محل هذه المجتمعات وعلى رأسه (الملوك الكهنة) الذين خلقوا نظاماً طبقياً يُخضع المرأة(3).
ويقول “كافين رايلي”: كانت الآلهة الكبرى عند الشعوب الزراعية، أي ربات الأرض، هن اللواتي يحيين الأرض بعد موتها فتزهر وتثمر، وهكذا اتخذ القدماء في بلاد ما بين النهرين الربات الأمهات تيامات Tiamat وننهورساج Ninhursag وعشتار Ishtar، واتخذ قدماء الهنود من الهندوس الربة كالي، كما اتخذ المصريون إيزيس.. وكثيرا ما عبدت في مجتمعات العصر الحجري الحديث الأم الأرض، والابنة الشابة العذراء (كانت كلمة “عذراء” في تلك الأيام تعني “المستقلة” أكثر مما تعني “التي لم تلد” أو “الغريزة”. والصورة اليونانية القديمة لهذا النمط هي ديميتير Demeter الأم الكبرى للأرض، وبرسيفوني الابنة التي تبعث حية من الموتى في كل ربيع مثمر”(4).
الأنثروبولوجيا والنظام الأمومي:
حاولت عدد من عالمات الأنثروبولوجيا النسويات، مثل: هيلين داينر، وإليزابيث جولد ديفيز، وايفيلين ريد، يثبتن صحة افتراضية كون أن المرأة هي المؤسس الأول للأسرة البشرية، وأن تكوين الأسرة البشرية كان قرارا أنثويا، أن هناك عشائر أمومية كانت موجودة قبل نشأة النظام الأبوي.
ومن أبرز من روجت دراساتها لإثبات صحة هذه الفرضية، هي عالمة الأنثروبولوجيا الأمريكية “مرجريت ميد”  حين كانت تهتم في ثلاثينات القرن الماضي ببيان كنه الاختلافات بين الرجال والنساء، فسافرت إلى غينيا الجديدة وعاشت بين الجماعات البدائية، ورصدت عدد من السلوكيات في قبيلة اسمها تشامبولي Tchambuli، حيث تقول أنها اكتشفت أن رجال قبيلة تشامبولي هم نماذج حية من الأنوثة الأمريكية، وأن النساء يتعلمن جميعا أن ينشأن على غرار ما نسميه “الذكورة”. مضيفة أنه في قبيلة تشامبولي، المرأة هي الطرف السائد المتجرد من العاطفة، وهي الآمرة الناهية، أما الرجل فهو الأقل إحساسا بالمسؤولية، الذي يعتمد على غيره من الناحية العاطفية. فنساء تشامبولي يقمن بصيد السمك وجمع الطعام، في حين يرتب الرجال خصل شعرهم ويحملون أقنعتهم أو يتدربون على نفخ الناي. أما الفنون – الرقص والحفر والتصوير – فهي غير هامة بالنسبة للنساء، ولكنها أهم أوجه النشاط المتاحة للرجال. وهكذا يتدرب رجال تشامبولي على السير الهوينى، ويحاولون اكتساب الرقة، وتصنع نساء تشامبولي ثروة القبيلة، بنسج وبيع شباك لصيد البعوض. أما الرجال فهم يقومون بالتسوق وهم في أبهى الرياش ومحارات للزينة، يساومون في سعر كل سلعة يشترونها، ولكنهم يشعرون دائما أنهم ينفقون من ثروة المرأة، والأملاك الحقيقية، التي يقتنيها المرء بالفعل، تأتيه من المرأة، في مقابل نظرات حالمة وكلمات رقيقة. أما موقف النساء تجاه الرجال فيتسم بالتسامح والتقدير. إنهن يستمتعن بالألعاب التي يلعبها الرجال، كما يستمتعن بصفة خاصة بالحركات المسرحية التي يقوم بها الرجال من أجلهن”(5).
الحركات النسوية حاولت تعميم مثل هذه الملاحظات والسلوكيات، التي تختص بها هذه القبيلة في حال صحتها على الجنس البشري، ويحاولون من خلالها إثبات صحة فرضية النظام الأمومي المسيطر، على الرغم من أن معظم علماء الأنثروبولوجيا المعاصرة ينزعون إلى الشك في صحة هذه الفرضية، ويذهبون إلى أنّ المجتمع الأمومي، بهذا المعنى المطلق، لم يوجد البتة في أي مرحلة من مراحل التاريخ. وأياّ ما كان، فلا يزال بعض المؤرخين يستخدمون هذا المصطلح، للدلالة على المجتمعات التي تمتعت فيها المرأة بقدر محدود من القوة أو السُّلطة.
دلالات المفهوم:
تسعى النسويات من خلال الترويج لهذا النظام وترسيخ ما يتضمنه من معني ومفاهيم، للتأكيد على أن سيطرة الرجل على المجتمعات هي حالة طارئة، وأن الأصل هو السيطرة الأنثوية، ومن ثم يجب العمل لعودة الأوضاع لنصابها؛ حتى تستقيم الحياة وتنعم البشرية بالحياة الفطرية السعيدة.
 كما تسعى لتأصيل مفهوم انعدام المقومات الطبيعية، حيث خلصت “مرجريت ميد” من أبحاثها على القبائل البدائية:  بأنه لا يوجد ما يدعى بالمقومات “الطبيعية” في شخصيات الرجال والنساء، فالبيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الفرد هي التي تصيغ الهوية الجنسية، يقول “كافين رايلي”: “ليس هناك ما يحتم علينا أن نتفق مع ما ذهب إليه فرويد من أن “الخصائص التشريحية قدر”، ولا حتى أن نتقبل التسليم بالنتيجة التي خلص إليها ممفورد وهي أن “الأمان والتفهم والاحاطة والحضانة” هي الوظائف الطبيعية للمرأة… وعبر عالم الآثار ف. جوردون تشايلد V. Gordon Childe منذ خمسين عاما عن فكرة عدم وجود طبيعة بشرية سوى تلك الطبائع التي صيغت تدريجيا في داخل التاريخ الإنساني، حين جعل عنوان دراسته الكلاسيكية عن الحياة في العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث والحياة الحضرية الأولى: الإنسان يصنع نفسه. واليوم يمكننا أن نقول ـ بمساعدة حس صقلته الدراسات الأخيرةـ : إن التاريخ هو سرد للطريقة التي يصوغ الرجال والنساء بها أنفسهم، مرة بعد مرة”(6).
نقد مفهوم النظام الأمومي:
الفكرة التي ارتبط بها النظام الأمومي، هي فكرة المجتمعات البدائية التي كانت تسيطر فيها المرأة على الأدوار المركزية القيادية السياسية والاقتصادية والسلطة الأخلاقية، فكرة المجتمعات البدائية هي  فكرة خاطئة، ومحاولة تصوير أن الإنسان في الماضي كان يعيش كما تعيش بعض القبائل المنعزلة في بعض المناطق في العالم، أفرادها عراة لا يحسنون التعبير، ولا يجيدون استعمال الأدوات هو تصوير غير علمي وغير دقيق، حيث إن أصل الإنسان هو آدم عليه السلام، وكان الإنسان منذ ذلك الوقت كاملا في شكله، يجيد النطق ويحسن الكلام، يستر جسمه ويخفي عورته حتى كان عصر نوح عليه السلام، حيث يستطيع الإنسان صناعة السفن الكبيرة، واستمر وضعه هكذا،  يقول الأستاذ محمود شاكر: آدم عليه السلام كان رسولا، يعلم أبناءه وأحفاده التوحيد، ويبلغ دعوة الله واستمرت هدايته لبنيه حتى كانت دعوة إدريس، وكانت دعوة نوح عليهما السلام، وهكذا فبداية الخلق لها دعاة وهداة، وللبشر لباس وسترة وأدوات تستعمل، فمن الجماعات من هدى الله، وقبل دعوة الرسل فكانوا أن استخلفوا في الأرض وعمروها، وأخذوا من خيراتها، حتى عتوا عن أمر ربهم، فسلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب، ويلاحقهم ويقاتلهم ويفتك بهم، وهي تفر أمامه.. حتى دخلت أماكن مجهولة ومناطق نائية لا تصلح لسكنى البشر، فأقامت فيها وتفرقت بطونها بين مجاهيلها. ولما كانت مناطقها التي وصلت إليها حديثا لا توجد فيها حاجاتها الأساسية، من طعام ولباس ومأوى اضطرت أن تتخذ ما تقدمه لها تلك البيئة من مواد، فمن أقام منها في المناطق الحارة، لم يكن بحاجة إلى اللباس فظل عاريا، ومن عاش منها في البلاد الباردة اتخذ من جلود الحيوانات التي وجدها هناك واقتات بها لباسا وريشا. ولما كانت هذه الجماعات قد وجدت في أماكنها الجديدة التي حلت فيها أشجارا غير الذي اعتادت أن تراها في بيئتها القديمة، وعرفت نباتات لم تكن تعرفها، وتعرضت لحيوانات لم تكن تتعرض لها في السابق، لذا فقد أطلق كل بطن من القبيلة على هذه الأشياء أسماء خاصة يعرفها هو لا سواه، ويدعوها بها دون غيره ومن هنا لم تعد تعرف البطون لغة بعضها بعضا، بل عاش كل في متاهه وضل كل في مجاهله… وظلت حالة هذه الجماعات إلى هذا العصر تعيش في بقاعها منعزلة عن العالم متقوقعة على نفسها، فنشأت عندها مع الزمن عادات وتقاليد خاصة تنفرد بها.”(7)، ومن ثم فليس من العلمية تعميم بعض عادات وتقاليد هذه الجماعات على الإنسانية، ومحاولة اسقاط بعض من سلوكها الشاذ على باقي البشر.
يضاف إلى هذا أن “الدراسات الإتنولوجيّة الحديثة التي اعتنت بروابط النسب، لم تجزم بوجود مثل هذا النظام، وإن ذهبت إلى تأكيد احتمال تمتّع النساء في عدد من المجتمعات التقليديّة بسلطات وامتيازات مهمّة؛ فنساء الإيروكوا كانت لهنّ سلطة إيقاف الحرب، ونساء شيروكي كنّ يلعبن أدواراً مهمّة في إستراتيجيات المعارك وخططها، وهو ما يجعل من مثل هذا النظام أمراً افتراضياً”(8) لا يوجد ما يؤيده.
المصدر:
http://cutt.us/hd6pN

(1) الموسوعة الماركسية، موقع أرشيف الماركسيين على الانترنت.
(2) المرجع السابق.
(3) انظر التفسير النسوي لحركة التاريخ، الجزء الثاني، بسام حسن المسلماني، موقع لها أون لاين.
(4) الغرب والعالم، تاريخ الحضارة، كافين رايلي، ترجمة عبد الوهاب المسيري، كتاب عالم المعرفة.
(5) الغرب والعالم، مرجع سابق.
(6) الغرب والعالم، مرجع سابق.
(7) الجماعات.البدائية، محمود شاكر، المكتب الإسلامي.
(8) النظام الأمومي، موقع مؤمنون بلا حدود.
 

اشترك في نشرتنا البريدية